الفقر المدقع في ایران
موقع المجلس:
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في إيران إلى حد غير مسبوق،اضحی اغلب المواطنین یصارعون البقاء من شدت الفقر و الجوع. حيث دفعت تكاليف المعيشة الباهظة المواطنين إلى حافة الانهيار. حتى المواد الغذائية الأساسية، مثل البطاطس والبصل، باتت تُباع بالتقسيط عبر المنصات الإلكترونية، في مشهد يعكس حجم المعاناة التي يواجهها أكثر من 70% من الشعب الإيراني، وفقًا لتقرير نشره موقع خبر أونلاين.
ومع نهاية فصل الخريف، تجاوز خط الفقر 40 مليون تومان شهريًا في المدن الصغيرة، و50 مليون تومان في المدن الكبرى، بينما بقي متوسط دخل الأسر أقل من 25 مليون تومان. وازداد الوضع سوءًا مع الانخفاض الحاد في قيمة الريال الإيراني، حيث ارتفع سعر الدولار الأمريكي بمقدار 30,000 تومان خلال ثلاثة أشهر فقط، مما أدى إلى موجة تضخم مدمرة رفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، مما أفقد العمال والموظفين والمتقاعدين قدرتهم الشرائية.
مساعدات حكومية غير كافية
في محاولة يائسة للتخفيف من حدة الأزمة، أعلن وزير الرفاه والأمن الاجتماعي، أحمد ميدري، عن تقديم قسائم غذائية بقيمة 500,000 و350,000 تومان للأسر ذات الدخل المحدود قبل عيد النوروز. غير أن هذه المبالغ لا تكفي سوى لشراء كيلوغرامين أو ثلاثة من الأرز الإيراني، أو بضع كيلوغرامات من البطاطس.
وفي الوقت الحالي، يبدأ سعر البطاطس من 60,000 تومان للكيلوغرام الواحد، وفقًا للمنصات الإلكترونية، في حين قفز سعر البصل بنسبة 150% ليصل إلى 40,000 تومان للكيلوغرام. أما التفاح الأحمر فيباع بسعر 60,000 تومان، والخيار الشجري بـ 65,000 تومان، والبرتقال بـ 40,000 تومان. وعند الشراء بالتقسيط، تزداد الأسعار بشكل أكبر.
وفي السياق ذاته، أفادت وكالة إيران ديدبان بارتفاع سعر الأرز الإيراني بمقدار 50,000 تومان، ليصل إلى 172,000 تومان للكيلوغرام، نتيجة ارتفاع سعر الصرف. كما سلطت صحيفة اطلاعات، التي يرأس تحريرها مسؤول يُعيّنه الولی الفقیه، الضوء على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بمناسبة الذكرى الـ 46 للثورة الإيرانية، قائلة: “ارتفاع أسعار الأدوية من جهة، ونقص الأدوية الأساسية من جهة أخرى، جعل المرضى يتنقلون بين الصيدليات بحثًا عن العلاج.”
وبعد قرار الحكومة إلغاء الدعم عن الأدوية، ارتفعت أسعار الأدوية بنسبة وصلت إلى 400%. ويؤكد العديد من الأطباء والصيادلة أن أعدادًا متزايدة من المرضى باتوا يعجزون عن تحمل نفقات العلاج، ما يدفعهم إلى التخلي عن متابعة حالاتهم الصحية.
ورغم هذه المعاناة، استهان الرئيس مسعود بزشكيان بالمخاوف الاقتصادية، مدعيًا أن الضغوط الناجمة عن العقوبات الأمريكية لن تؤدي إلى المجاعة في إيران. كما كرر الوليالفقیة علي خامنئي أمام قادة حرس النظام مؤخرًا أن “إيران قطعت شوطًا طويلًا، رغم التحديات، واقتربت من القمم”، مضيفًا: “نحن نعرف قيمة التقدم، لكن يجب ألا نصاب بالغرور.” غير أن هذه التصريحات تتناقض مع الواقع الصعب الذي يعيشه المواطن الإيراني يوميًا.
وفي 16 فبراير، أعلن محسن باقري، عضو لجنة الأجور في المجلس الأعلى للعمل، أن تكلفة سلة المعيشة ارتفعت إلى 38 مليون تومان شهريًا، مقارنة بـ 29.94 مليون تومان في ديسمبر 2024. وبحسب وكالة إيلنا، فقد زادت أسعار الضروريات الأساسية، مثل زيت الطهي بنسبة 40%، وتضاعفت أسعار الأرز، فيما ارتفعت أسعار البطاطس والبصل بشكل حاد. وقدّر باقري ارتفاع تكلفة المعيشة بنسبة 30% خلال شهرين فقط.
ويؤكد نشطاء حقوق العمال أن الأجور الحالية غير كافية على الإطلاق. فالحد الأدنى للأجور للعامل المتزوج مع أطفال لا يتجاوز 10.9 مليون تومان شهريًا، وهو أقل بكثير من مستوى الكفاف. والأسوأ من ذلك، أن العديد من العمال غير المشمولين بقوانين العمل يحصلون على أجور أدنى من ذلك. وينصّ المادة 41 من قانون العمل الإيراني على ضرورة تعديل الأجور وفقًا لمعدل التضخم وتكاليف المعيشة، لكن ممثلي العمال يؤكدون أن المجلس الأعلى للعمل يتجاهل هذا الشرط باستمرار.
ورغم مزاعم الحكومة بتراجع معدلات التضخم، فإن الواقع الاقتصادي يعكس صورة مختلفة. ففي 7 فبراير، ذكرت وكالة تسنيم: “رغم الإحصاءات الرسمية التي تشير إلى انخفاض التضخم، فإن العمال لا يشعرون بأي تحسن. فقد تدهورت قوتهم الشرائية بشكل كبير، مما اضطر العديد من العائلات إلى تقليص استهلاكها للضروريات اليومية.”
ومع اقتراب شهر مارس، لا تزال مفاوضات الأجور متوقفة. ووفقًا لوكالة إيلنا: “نحن على أعتاب العام الجديد، ولم يتم إحراز أي تقدم في مفاوضات الأجور. لم تُجرَ أي مراجعة لسلة المعيشة، وعُقدت جلسة واحدة فقط للمجلس الأعلى للعمل منذ تولي الحكومة الجديدة مهامها. وحتى الآن، لم تحدد وزارة العمل أي جلسة جديدة لشهر فبراير.”
وبينما تواجه إيران أزمة اقتصادية خانقة، فشلت التدخلات الحكومية في احتواء تداعيات التضخم وتآكل الأجور. ومع استمرار ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور القدرة الشرائية للعمال والموظفين والمتقاعدين، تزداد معاناة الملايين يومًا بعد يوم. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن صراع الإيرانيين من أجل البقاء لن يتوقف، وسيدفع المواطن البسيط الثمن الأكبر لانهيار الاقتصاد.