موقع المجلس:
تزامنت الزيادات الحادة في الأسعار هذه الایام مع انشغال الرأي العام ووسائل الإعلام بقضايا مثل ارتفاع أسعار البنزين، وتدهور قيمة الريال، والمفاوضات الجارية، والتوترات الإقليمية. لكن في المقابل، يواجه المواطنون ارتفاعًا متسارعًا في تكاليف المعيشة يجعل تأمين الاحتياجات الأساسية أكثر صعوبة.
في الآونة الآخیرة شهدت أسعار السلع الأساسية في إيران ارتفاعًا حادًا بين أكتوبر 2024 ويناير 2025، حيث زادت أسعار بعض المواد بمعدل يتراوح بين مرتين إلى 2.5 مرة. ومع ذلك، فإن التقارير الرسمية لا تعكس هذه القفزات الكبيرة في الأسعار. فعلى سبيل المثال، في حين أعلن مركز الإحصاء الإيراني أن سعر زيت الطهي ارتفع بنسبة 2% فقط، تشير بيانات السوق إلى زيادة بنسبة 15%، ما يكشف الفجوة الكبيرة بين الأرقام الحكومية والواقع المعيشي للمواطنين.
في 29 يناير نشر مركز الإحصاء الإيراني تقريرًا بعنوان «متوسط أسعار بعض المواد الغذائية في المناطق الحضرية – يناير 2024». وبحسب هذا التقرير، فإن أسعار 53 سلعة غذائية ارتفعت بنسبة 37% في ديسمبر 2024 وأوائل يناير 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
كما أشار تقرير التضخم (مؤشر أسعار المستهلك)، الصادر في 23 يناير، إلى أن معدل التضخم السنوي بلغ نحو 32%، بينما تم تقدير معدل تضخم المواد الغذائية في يناير 2025 مقارنة بيناير 2024 بحوالي 27%. إلا أن التحليلات المستقلة للأسواق تؤكد أن هذه الأرقام لا تعكس الارتفاع الحقيقي للأسعار الذي يعاني منه المواطنون.
ويكشف تحليل أسعار 15 سلعة أساسية في إيران عن تباين صارخ بين البيانات الحكومية والواقع الفعلي في الأسواق.
وعلى سبيل المثال، أفاد مركز الإحصاء بأن سعر الأرز المستورد ارتفع بنسبة 22% خلال يناير 2025 مقارنة بالعام السابق. غير أن البيانات الميدانية تكشف أن كيسًا من الأرز الباكستاني (10 كغم)، الذي كان يباع بـ 6.5 مليون ريال (حوالي 0.70 دولار) في نهاية يناير 2024، أصبح سعره الآن حوالي 17.5 مليون ريال (حوالي 2.10 دولار). وهذا يمثل زيادة بنسبة 170%، وهي نسبة تتجاوز بكثير الأرقام الرسمية المعلنة.
وبالمثل، ذكرت الإحصاءات الرسمية أن سعر لحم الضأن ارتفع بنسبة 27% خلال العام الماضي، إلا أن بيانات الأسواق تكشف أن سعر عبوة من لحم الكتف (3 كغم) ارتفع بنسبة 81%، مما يؤكد زيف الأرقام الحكومية.
وخلال الفترة من يونيو 2024 إلى يناير 2025، شهدت أسعار 15 سلعة أساسية زيادة بنسبة 60% في المتوسط، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الإيرانيون، خاصة في ظل تدني القوة الشرائية والقيود الاقتصادية المتزايدة.
أحد أبرز أوجه التناقض في التقارير الرسمية يتعلق بأسعار زيت الطهي. فمنذ أوائل يناير 2025، بدأت الشركات المنتجة في رفع الأسعار، مما دفع هيئة تنظيم الأسواق إلى الموافقة رسميًا على زيادة تصل إلى 15% في أسعار الزيوت النباتية المختلفة في 13 يناير. لكن تقرير مركز الإحصاء الأخير زعم أن سعر الزيوت السائلة والصلبة ارتفع بنسبة 2% فقط في يناير مقارنة بديسمبر 2024، وهو ما لا يعكس الواقع الفعلي للأسواق.
الأمر نفسه ينطبق على قطاع الأدوية. فبالتزامن مع قرارات هيئة تنظيم الأسواق، منحت هيئة الغذاء والدواء العديد من شركات الأدوية تصريحًا لرفع الأسعار بنسبة تصل إلى 400%. ومع ذلك، أظهر تقرير التضخم الصادر عن مركز الإحصاء أن معدل التضخم في القطاع الصحي لم يتجاوز 2% في يناير 2025 مقارنة بديسمبر 2024، في تجاهل واضح للأعباء المالية التي تثقل كاهل المرضى.
وتكشف التقارير الرسمية للنظام الإيراني عن فجوة عميقة بين الأرقام المعلنة والواقع الاقتصادي القاسي الذي يواجهه المواطنون. فالاختلاف الكبير بين الإحصائيات الحكومية والأسعار الفعلية في الأسواق يسلط الضوء على محاولات ممنهجة للتقليل من حدة الأزمة المعيشية. ومع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأساسية، تتفاقم معاناة الإيرانيين، بينما تواصل المؤسسات الرسمية تقديم أرقام مضللة لا تعكس حقيقة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.