وجه سقوط نظام الأسد، الذي كان يشكل العمود الفقري للنفوذ الإيراني في المنطقة، ضربة قاصمة للنظام الإيراني
ایلاف – ضياء قدور:
مؤخراً، أقرّ ممثلو علي خامنئي في خطب صلاة الجمعة، بالتحديات الكبيرة التي تواجه النظام الإيراني بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتراجع العمق الاستراتيجي للنظام الإيراني في المنطقة، وكشفت تصريحاتهم عن مخاوف متزايدة بشأن مستقبل النظام وتراجع شعبيته بين المواطنين الإيرانيين.
في أصفهان، شارك ممثل خامنئي، ميردامادي، خلال خطبته يوم 17 كانون الثاني (يناير) 2025، حكاية تعكس المشاعر الشعبية المتصاعدة ضد النظام. قال: “أحد أقاربنا استقل سيارة أجرة، وأخبره السائق: ‘لدي خبر سيسعدك’. وعندما سأله عن الخبر، قال السائق: ‘في عيد النوروز القادم، عندما تجلس إلى مائدة هفت سين، لن يكون هذا النظام موجودًا'”. هذا التصريح يعكس مدى استياء المواطنين وانتظارهم للتغيير.
الجرائم الإيرانية في سوريا في خدمة الإسلام!
وفي مشهد أيضاً، حاول أحمد علم الهدى، ممثل آخر لخامنئي، تبرير وتصوير التكاليف البشرية والمالية التي تكبدها النظام في تدخلاته الإقليمية، لا سيما في سوريا، على أنها إنجازات استراتيجية. وفي خطبته يوم 17 يناير 2025، رد على منتقدي النظام قائلاً: «قد يتساءل البعض: “ما النتيجة من كل هذا الدمار، وقتل هذا العدد الكبير من الأشخاص، وتشتيت العائلات، وتدمير حياة الناس؟” النتيجة كانت القضاء على سمعة الولايات المتحدة وإسرائيل على الساحة الدولية. كان هذا أعظم إنجاز وأكبر فائدة لهذه التضحيات، وكان يستحق ذلك من أجل الإسلام».
وتعكس هذه التصريحات وغيرها من المواقف المتناقضة وضع نظام يكافح للتعامل مع أزمات متعددة، تشمل عدم قدرته على كبح الاستياء الشعبي المتزايد وتبرير تدخلاته الخارجية المكلفة.
تأثير سقوط أحجاز الدومينو على الداخل الإيراني
وكان المرشد الأعلى علي خامنئي ومسؤولو النظام قد عبروا مراراً وتكراراً في تصريحاتهم بأن العمق الاستراتيجي للنظام في سوريا ولبنان واليمن والعراق هو درع يحول دون عدم استقرار النظام داخل حدود إيران. وأكدوا في العديد من التصريحات أن الحفاظ على النفوذ الإيراني في هذه المناطق سيضمن “عدم امتداد الحرب إلى المدن الإيرانية وبقاء النظام”، لكن التطورات الأخيرة أظهرت صحة مواقف المقاومة الإيرانية بأن النظام الإيراني يريد عمقه الاستراتيجي وتوسعيه من أجل صد الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية، وأن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ومقتل قيادات بارزة في حزب الله اللبناني، بمن فيهم حسن نصرالله، أدى إلى تسارع انهيار هذا العمق الاستراتيجي ووضع النظام في موقف أكثر هشاشة.
تظهر الأحداث الأخيرة في طهران، حيث قتل قاضيان بارزان في النظام، محمد مقیسة وعلي رازيني، أن النيران التي كان النظام يحاول إشعالها خارج الحدود قد ارتدت أعقابها الآن إلى داخل إيران.
كان هذان القاضيان من الشخصيات الرئيسية في السلطة القضائية التي أصدرت آلاف أحكام الإعدام بحق المعارضين الإيرانيين على مدى العقود الأربعة الماضية وأشرفوا على إعدامهم.
وكان القاضيان متورطين في مجزرة صیف عام 1988 التي راح ضحيتها 30,000 سجين سياسي، معظمهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمتعاطفين معها.
وبحسب ما يعبر عنه الكثير من المراقبين والخبراء، فإن عملية قتلهما ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي إشارة واضحة إلى أن النار التي حاول النظام إبعادها إلى خارج حدوده بدأت تلتهم الداخل.
انهيار النفوذ الإقليمي وتفاقم الأزمة الداخلية
وجه سقوط نظام الأسد، الذي كان يشكل العمود الفقري للنفوذ الإيراني في المنطقة، ضربة قاصمة للنظام، إذ تفككت القوات الإيرانية وميليشياتها التي كانت تنشط في سوريا أو أُجبرت على الانسحاب خلال أيام، مما أضعف قدرة النظام على الاستمرار في إشعال الحروب الإقليمية. كما أن مقتل قادة حزب الله، الذي كان يُعتبر الذراع القوي لإيران في لبنان، زاد من تفاقم هذا الوضع. والآن، بدأت آثار هذا الانهيار تظهر بوضوح داخل إيران نفسها.
إنَّ تصاعد عمليات المقاومة الشعبية ضد رموز النظام يعكس فقدان طهران سيطرتها ليس فقط على الشارع الإيراني، بل حتى على المؤسسات التي كانت تظن أنها محصنة ومنيعة.
وأرسلت قضية مقتل القاضيين مقیسة ورازيني برسالة قوية إلى النظام بأن الجرائم التي ارتُكبت على مدى 45 عامًا لن تمر دون عقاب، وأن الشعب الإيراني، الذي طالما عانى من الظلم والاضطهاد، بدأ يأخذ زمام المبادرة لاستعادة حقوقه.
النظام في مواجهة مصيره
مع تراجع العمق الاستراتيجي وضغوط الانتفاضات الشعبية في الداخل، يجد النظام الإيراني نفسه في وضع لا يُحسد عليه. وتبدو الشعارات التي رددها النظام لعقود حول “الأمن القومي” و”حماية الإسلام” سخيفة اليوم في حماية أنصاره في أكثر المناصب الحساسة والمحمية.
وأمام هذه التحديات المتصاعدة، يظهر الشعب الإيراني، الذي طالما كان ضحية لهذه السياسات، عزمه على محاسبة الجناة واستعادة كرامته.
وفي ظل هذه التطورات، يصبح السؤال الأهم: إلى متى يستطيع النظام الصمود أمام موجة الغضب الشعبي التي تتزايد يومًا بعد يوم؟