موقع المجلس:
بينما كانت شوارع إيران مليئة بالمتظاهرين والشعارات المناهضة له، من بينها “الموت للشاه”. هرب الشاه من ایران في 16 ینایر 1979. لقد كان هذا الفرار نقطة النهاية لحكم استمر لأكثر من 50 عامًا، حيث كان يعتمد على القمع وانتهاك حقوق الإنسان. ومع نهاية هذه الديكتاتورية، تم تمهيد الطريق لنظام ديني قيّد الحريات وحقوق الشعب الإيراني بشكل جديد.
كان الشاه دائمًا يقدم نفسه كمدافع عن الحداثة، ولكن حكمه كان مليئًا بالقمع الواسع للمخالفين وانتهاك حقوق الإنسان، مما خلق جوًا من الخوف والكبت. كانت منظمة “ساواك” السيئة السمعة تقوم بإسكات المعارضين من خلال التعذيب الوحشي، الذي كان يشمل الصدمات الكهربائية والتعذيب النفسي. العديد من السجناء السياسيين فقدوا حياتهم خلال هذه الفترة، أو تم تدمير روحهم وأجسادهم بسبب التعذيب الوحشي.
من أمثلة هذا القمع كانت عمليات القتل الجماعي لمجاهدي خلق والعنف الواسع النطاق من قبل القوات الأمنية ضد المتظاهرين. وكانت “الجمعة السوداء” (8 أيلول 1978) واحدة من ذروات هذا العنف، حيث قُتل وجرح خلالها مئات من المتظاهرين السلميين في ميدان “جاله” في طهران. هذه المجزرة زادت من الغضب العام وأضعفت حكم بهلوي بشكل أكبر.
خلال فترة حكم بهلوي، شهدت إيران فسادًا اقتصاديًا واسعًا وتزايدًا في التفاوت الطبقي. بينما كانت العائلة المالكة والمقربون من الشاه يعيشون في رفاهية وثراء، كان غالبية الشعب الإيراني يعانون من مشاكل اقتصادية صعبة. كان الفلاحون يهاجرون إلى أطراف المدن ويعيشون في ظروف فقر مدقع، إلى جانب توسع الأحياء العشوائية والتضخم الشديد، وهو ما كان مجرد جزء من نتائج هذه السياسات الخاطئة.
تشير التقارير إلى أن مليارات الدولارات من ثروة إيران الوطنية تم نقلها إلى الخارج من قبل الشاه وأقاربه. وقد أدى الفساد الهيكلي والاحتكار الاقتصادي إلى زيادة الاستياء العام، مما دفع الشعب إلى الانضمام إلى صفوف المتظاهرين.
إحدى الأخطاء الجوهرية للشاه كانت قمع القوى التقدمية والحرية، مما أدى إلى خلق فراغ في السلطة، ومنح الفرصة للمتشددين الدينيين للاستفادة من المشاعر الدينية لدى المجتمع لاحتلال السلطة. وفي الوقت الذي كان فيه المثقفون والنشطاء السياسيون يتعرضون لضغوط شديدة، استطاع رجال الدين بقيادة خميني استغلال هذا الفراغ السياسي ليأخذوا زمام الحكم.
لقد كانت هذه الانتقال في السلطة ممكنة ليس بسبب القوة المطلقة للقوى الدينية، بل بسبب السياسات الخاطئة للشاه وقمعه للقوى الديمقراطية والتقدمية. الشاه، بتسلطه واستبداده، ضيع الفرص الذهبية لبناء حكومة قائمة على المشاركة الشعبية، ليهيئ بذلك الطريق لتراجيديا جديدة.
فرار الشاه من إيران أثار موجًا من الفرح بين المواطنين، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً. الحكومة الدينية الجديدة التي جاءت تحت شعار العدالة والحرية، سرعان ما سلكت نفس طريق الديكتاتورية. امتلأت السجون بالمطالبين بالحرية، واستمرت عمليات القمع. عمليات التعذيب والإعدامات التي كانت أداة للحفاظ على السلطة في عهد الشاه، تكررت في العهد الجديد تحت غطاء الدين.
الديكتاتورية الدينية، مثل الشاه، استخدمت أدوات مثل الخوف، والإعدام، والعنف لإسكات أصوات المعارضين. الشعب الإيراني الذي كان في يوم من الأيام يكافح من أجل الحرية والإطاحة بنظام الشاه، أصبح الآن محاصرًا في نظام لا يتحمل حتى أصغر انتقاد. الشبان الذين لديهم أحلام كبيرة، إما في السجون أو في المنفى.
على الرغم من رحيل الشاه، فإن آمال الشعب في الحرية والعدالة لم تتحقق بعد. الديكتاتورية الدينية ستواجه نفس مصير ديكتاتورية الشاه، لأن إرادة الشعب في الحرية والديمقراطية لا يمكن إخمادها. اليوم، يقف الشباب، والنساء، وناشطو حقوق الإنسان في طليعة هذا النضال.
الديكتاتورية الدينية ستمضي في نفس المسار الذي سلكه سلفها، وستواجه مصيرًا مشابهًا. لأن الديكتاتورية، سواء كانت بمظهر سلطنة الشاه أو تحت غطاء الدين، محكوم عليها بالفشل والسقوط، وفي النهاية سيكون الشعب هو من يحدد مصيره في الحرية والمساواة والأخوة والقيم المنبثقة من الديمقراطية.
شعب إيران اليوم يتذكر دروس الماضي المرة. على الرغم من أن طريق الحرية طويل ومليء بالتحديات، إلا أن الأمل والمقاومة لا يزالان حيين. الشباب الإيراني، النساء الشجاعات، وناشطو حقوق الإنسان، ما زالوا في الصفوف الأمامية للنضال من أجل الحرية والعدالة.
شعب إيران اليوم ما زال في خضم معركة كبيرة من أجل الحرية والعدالة، ومستقبل إيران سيصنعه هذا الشعب نفسه؛ مستقبل تنتصر فيه أنوار الحرية والمساواة على ظلام الاستبداد.