بقلم موسی افشار:
لأكثر من ثلاثة أسابيع، يعاني النظام الإيراني من انهيار استراتيجي كبير في نفوذه الإقليمي. ففي سلسلة من أربع خطب، حاول الوليالفقیة علي خامنئي طمأنة جمهوره من خلال وعود غامضة دون تقديم أي خطط واضحة. وكرر خامنئي ادعاءاته بأن سوريا ما زالت مستقرة، وأن لبنان واليمن جزء من “محور المقاومة”، وأن “جبهة المقاومة” لا تزال قائمة. ومع ذلك، يبدو أن هذه التأكيدات تفتقر إلى المصداقية، مما يعكس ضعف النظام المتزايد.
وفي خطبه، أصر خامنئي على أن إنفاق النظام في سوريا كان مبرراً لتحقيق “الأمن”، على الرغم من الواقع الذي يشير إلى تراجع نفوذه الاستراتيجي. وسعياً لإخفاء إخفاقاته، قدم الوضع الحالي في سوريا ولبنان كـ”تضحيات” تهدف إلى الحفاظ على أهمية كربلاء والنجف في العراق، في محاولة لتحويل الأنظار عن الخسائر.
وفي الوقت نفسه، يقوم قادة حرس النظام الإيراني بجولات في مدن مختلفة، محاولين حشد الدعم عبر تصريحات جوفاء وادعاءات بالصمود. كما أن خطباء صلاة الجمعة، الذين يتم توجيههم أسبوعياً من مكتب خامنئي، قللوا من أهمية الانتكاسات، داعين الناس إلى عدم المبالغة في ردود أفعالهم.
وعملت مراكز التفكير التابعة للنظام بلا كلل لخلق أزمات، بهدف التلاعب بالرأي العام. من خلال إثارة شبح “سوريا جديدة”، يحاولون الإيحاء بأن إيران ستغرق في الفوضى إذا أُطيح بالنظام الحالي. ومع ذلك، لم تنجح هذه السردية في التأثير على الشعب الإيراني، الذي استقبل سقوط دكتاتور سوريا بترحيب واسع، متطلعاً إلى إمكانية تكرار هذا السيناريو في إيران.
وركز المواطنون الإيرانيون، داخل البلاد وخارجها، على الهزيمة الاستراتيجية للنظام في المنطقة وتأثيرها على مستقبل الحكم في إيران. وأثار هذا التركيز قلق مخططي النظام، مما دفعهم لمحاولة حرف الأنظار عن القضية الرئيسية باستخدام عناصر من المعارضة المزعومة لتخفيف حدة الخطاب المناهض للنظام.
ومع ذلك، أدت ثلاثة عوامل مترابطة إلى تقويض تماسك النظام بشكل أكبر:
1. لا يستطيع خامنئي الهروب من حقيقة انهيار العمق الاستراتيجي للنظام ونهاية حقبة امتدت لثلاثة عقود من الهيمنة الإقليمية.
2. بعد انهيار استراتيجية “تصدير الثورة”، أصبح المجتمع الإيراني قوة متزايدة التأثير في مواجهة النظام.
3. الجرائم المشتركة بين خامنئي وبشار الأسد في سوريا أثارت حتى استياء داخل صفوف النظام نفسه، خاصة فيما يتعلق بالتكاليف المالية والسياسية لهذه التدخلات.
ولا تزال آثار الجرائم في سوريا، التي تورط فيها النظام الإيراني، تطارد حكومة خامنئي. ففي الثالث من يناير 2025، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الحرب الأهلية السورية أسفرت عن مقتل أكثر من 528,500 شخص، من بينهم 14,000 قتيل بسبب التعذيب في سجون نظام الأسد. تعزز هذه الأرقام الاتهامات الموجهة لطهران بارتكاب جرائم حرب، مما يزيد من الإدانات المحلية والدولية.
محاولات خامنئي وخطباء صلاة الجمعة ومسؤولي حرس النظام للتقليل من شأن الانتكاسات تفشل في التخفيف من الآثار العميقة لهذه الهزائم. وتظهر تداعيات ذلك داخل النظام نفسه وفي المجتمع الأوسع، حيث تستمر الاحتجاجات في اكتساب الزخم. وتعكس شعارات مثل “صمتنا خيانة” وحدة متزايدة بين مختلف الفئات الاجتماعية، داعية إلى التضامن والعمل الوطني ضد النظام.
وأدى الانهيار الاستراتيجي للنظام الإيراني إلى تسريع حركة المعارضة ضده. ومع تراجع قبضته، يصبح احتمال المحاسبة على جرائمه، داخلياً ودولياً، أكثر وضوحاً. تركيز الشعب الإيراني على الإطاحة بالدكتاتورية الدينية لا يزال ثابتاً، مما يشير إلى أن الطريق نحو إيران ما بعد النظام بات أكثر واقعية يوماً بعد يوم.