موقع المجلس:
في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، كان الخبراء والمحللون في النظام الإيراني هم من حذروا صناع القرار من احتمال عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. والآن، بعد وضوح نتائج الانتخابات، أظهرت وسائل الإعلام الحكومية —وهي المتحدثة باسم الفصائل الداخلية للنظام— مخاوفها العلنية من التغييرات في الإدارة الأمريكية. وتبرز عناوين الصحف التابعة للدولة في 7 نوفمبر 2024 هذه المخاوف:
– صحیفة همميهن: “ترامب مجددًا!”
– صحیفة دنياي اقتصاد: “ماذا نفعل بشأن ترامب؟”
– صحیفة ابتكار: “ماذا سيفعل ترامب بإيرادات النفط الإيراني؟”
-صحیفة شرق: “هل سيفعّل ترامب آلية الزناد؟!”
– صحیفة اعتماد: “إيران بحاجة إلى سياسة جديدة”
مواقف متباينة وصمت خامنئي
يمكن تصنيف المواقف التي عبرت عنها وسائل الإعلام التابعة للنظام إلى ثلاث فئات رئيسية.
الأولى هي الموقف الرسمي للنظام، الذي يسعى إلى التقليل من أهمية هذا التحول السياسي. فقد قال مسعود بزشكيان: “لن يحدث أي فرق بالنسبة لنا من يفوز في الانتخابات الأمريكية.” وردد المتحدث باسم النظام هذا الرأي قائلاً: “لا يهم من يصبح رئيسًا في الولايات المتحدة.” ومع ذلك، فإن الوليالفقیة علي خامنئي، الذي تحدث أمام مجلس خبراء القيادة في 7 نوفمبر، تجنب الإشارة إلى الانتخابات تمامًا. وبدلاً من ذلك، تحدث عن “أهمية مكانة المجلس” و“أربعينية حسن نصر الله”، متفاديًا الحديث عن الحدث السياسي الدولي الأبرز.
الثانية هي موقف فصيل خامنئي ووسائل الإعلام التابعة له مثل كيهان، تسنيم، فارس، وجوان. واتبعت هذه الوسائل إلى حد كبير السرد الرسمي، محاولين إظهار أن نتيجة الانتخابات ليست ذات أهمية. ومن السمات الملحوظة في موقفهم هو تخفيف حدة الخطاب المعتاد. حتى صحيفة “جوان” أشارت إلى ما يسمی“حركة المقاومة”، وصفتها بأنها “عقلانية” و“واقعية” و“مثالية”.
الثالثة هي موقف ما یعتبر أنفسهم الإصلاحيين الذين يدعون تقليديًا إلى مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة. وصورت وسائل الإعلام التابعة لهذا الفصيل المناخ الدولي الجديد على أنه ينذر بالخطر على إيران. إضافة إلى العناوين المذكورة سابقًا، وصفت الصحف هذه العصابة الوضع الحالي بأنه “مقلق” وسلطت الضوء على التحديات التي تفرضها ساحة سياسية أمريكية أكثر تماسكًا: “نحن الآن نواجه أمريكا جديدة… السلطة أكثر توحيدًا، مدعومة بملايين الناخبين الذين أيدوا مرشحًا بسمات مميزة، وله مؤيدون عالميون. الأمواج الداخلية والدولية لانتصار ترامب وترامبية أمريكا واسعة ومقلقة لمعارضيه وللعديد من دول العالم” (اعتماد، 7 نوفمبر).
تحديات جديدة تضاف للأزمات
تضيف عودة ترامب للرئاسة تحديًا كبيرًا جديدًا لمجموعة الأزمات التي تواجه النظام الإيراني. حتى قبل هذا التغيير، كان خامنئي يكافح للتعامل مع الضغوط الداخلية والخارجية. محاولاته لتجنب الانتفاضات من خلال تأجيج الصراعات في غزة أدت إلى فقدان العديد من الحلفاء الإقليميين وكشفت نقاط ضعف النظام. وتقلصت القوة الإقليمية وبرزت نقاط الضعف الأساسية، وزادت الرقابة الدولية، خاصة بسبب تورط إيران في أوكرانيا وتزويدها بالصواريخ والطائرات بدون طيار، مما أدى إلى فرض عقوبات جديدة وزيادة العزلة.
ووصلت الحالة الاقتصادية إلى نقطة حرجة، حيث يتراوح سعر العملة الوطنية بين 60,000 و70,000 ريال لكل دولار. تصاعدت الاضطرابات الاجتماعية، وأصبح شبح الانتفاضات يهدد النظام كالسيف المسلط.
ومع عودة ترامب، تعترف وسائل الإعلام الرسمية بأن جميع هذه الأزمات من المرجح أن تتفاقم. على عكس فترته الأولى، فإن الوضع الحالي يختلف بشكل كبير: “الاقتصاد الإيراني في نوفمبر 2024 أضعف مما كان عليه في عام 2018. القضايا الداخلية والأزمات زادت. وفقًا لوزير خارجيتنا، فإن المناخ الدولي اليوم لا يقارن بالوقت الذي تم فيه توقيع الاتفاق النووي والذي مزقه ترامب لاحقًا. نحن الآن عالقون في تداعيات حروب أوكرانيا وغزة، وأصبحت الملفات بين إيران والغرب أكثر تعقيدًا على مدى السنوات الست الماضية. لا يوجد حل قصير الأجل أو متوسط الأجل متاح. المتشددون يقترحون بريكس كبديل لمواجهة العقوبات، لكن حتى أكثر المحللين تفاؤلًا يعترفون بأن بريكس لن تحقق نتائج إلا على المدى الطويل، وأن الأعضاء الرئيسيين مثل الصين والهند ما زالوا من بين الشركاء التجاريين العشرة الأوائل للولايات المتحدة” ( صحیفة همميهن، 7 نوفمبر).
في الختام، تشكل رئاسة ترامب متغيرًا جديدًا ومهيبًا في المشهد السياسي والاقتصادي الإيراني المتقلب بالفعل، مما يزيد من تفاقم التحديات الحالية التي يواجهها النظام داخليًا وخارجيًا.