صورة لمحطة وقوى تحترق في طهران-
موقع المجلس:
مع تصاعد خبر احتمال زیادة أسعار البنزین في ایران، تصاعد الخوف من انتفاضات داخل البلاد وسط الأزمات الاقتصادیة.
و مع إن عادت مشكلة أسعار الوقود في إيران اُتثيرت المخاوف من احتمال تكرار الاحتجاجات الواسعة التي هزت البلاد في عام 2019. مع تلميحات الحكومة حول احتمالية رفع أسعار البنزين، تتزايد المخاوف بين السكان الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة، حيث يستعد الكثيرون لفترة قد تكون متوترة في ظل الهشاشة السياسية والاجتماعية التي تمر بها إيران.
ولعبت أسعار الوقود تاريخيًا دورًا حاسمًا في تشكيل الاحتجاجات العامة في إيران. وقد أُدخلت أول سيارة إلى البلاد في عهد مظفر الدين شاه قاجار، الذي استورد أول سيارة، وهي “رينو” طراز 1900، من فرنسا بسعر 4000 تومان. في ذلك الوقت، لم يكن البنزين يُستخدم كوقود رئيسي للسيارات؛ حيث كانت السيارة تعمل على الكيروسين، لأن البنزين لم يكن متاحًا على نطاق واسع.
لم يتم إنشاء أول محطة بنزين في إيران حتى عام 1927 في عهد رضا شاه بهلوي، وذلك في مدينة آبادان. ومع تزايد دخول السيارات الأجنبية إلى البلاد، تزايدت الحاجة إلى البنزين. في ذلك الوقت، كان البنزين يُباع في زجاجات أو علب معدنية في محلات البقالة بسعر 1.5 ريال للتر الواحد. لم يكن أحد يتخيل أن البنزين سيصبح يومًا ما مصدرًا للتوتر الاقتصادي والسياسي.
ومع ذلك، أثبتت احتجاجات نوفمبر 2019، التي اندلعت نتيجة زيادة مفاجئة وحادة في أسعار البنزين، مدى أهمية أسعار الوقود في حياة الإيرانيين اليومية. تسببت هذه الاحتجاجات، المعروفة باسم احتجاجات “آبان”، في مقتل ما لا يقل عن 1500 شخص، مما ترك أثرًا لا يمحى في التاريخ الاجتماعي والسياسي لإيران. وأصبحت أسعار الوقود منذ ذلك الحين قضية حساسة، تعكس المشاكل الاقتصادية الأوسع نطاقًا.
جولة جديدة من الزيادات؟
بحلول أكتوبر 2024، انتشرت التكهنات بشأن زيادة محتملة في أسعار البنزين، خاصة بعد انهيار الإدارة السابقة برئاسة إبراهيم رئيسي. وسط تصاعد الاستياء الشعبي، حاول الولي الفقیة للنظام ، علي خامنئي، الحفاظ على السيطرة من خلال تعيين مسعود پزشکیان في دور القيادة التنفيذية، وهو ما يعتبره الكثيرون خطوة استراتيجية. على الرغم من وعود پزشکیان المتكررة بعدم رفع أسعار البنزين، إلا أن ميزانيته المقترحة للعام المقبل تشير إلى خلاف ذلك.
وأشار پزشکیان أثناء تقديم الميزانية قائلًا: «بعد تولي الحكومة الرابعة عشرة السلطة، ظهرت تكهنات حول احتمال ارتفاع أسعار البنزين، والتي تم نفيها مرارًا من قبل المسؤولين الحكوميين. لكنني كنت دائمًا أوضح أنه يجب علينا إشراك الناس في أي محاولة لإصلاح أسعار البنزين، وضمان فهمهم وتعاونهم. اتخاذ قرارات كهذه بين ليلة وضحاها دون إشراك الناس ليس علميًا ولا مقبولًا» (وكالة مهر، 23 أكتوبر 2024).
تصريح پزشکیان يُبرز المعضلة التي تواجهها الحكومة، التي تعاني من خزائن فارغة ونفقات ضخمة تتعلق باستيراد البنزين. وعلى الرغم من أن إيران تُعد دولة غنية باحتياطيات النفط والغاز، إلا أن الحكومة تكبدت تكاليف باهظة لاستيراد البنزين، مما زاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية. وأوضح پزشکیان أنه في العام الجاري وحده، أنفقت إيران 900 تريليون ريال على استيراد البنزين، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 1300 تريليون ريال في العام المقبل. وتُقدر تكلفة كل لتر من البنزين المستورد بين 30,000 و 40,000 ريال.
ومع ذلك، لم يحدد پزشکیان موعدًا أو مقدارًا لزيادة أسعار البنزين، وركز فقط على إدارة الطلب، مشيرًا إلى أن القضية ستتطلب دراسة متأنية من جميع فروع الحكومة.
بالرغم من الضغوط الاقتصادية المتزايدة، لم يتحمل أي مسؤول حكومي مسؤولية رفع محتمل في أسعار البنزين. الخوف من رد الفعل الشعبي لا يزال واضحًا، خاصة مع استمرار النخبة السياسية والعسكرية في إيران في الانخراط في الصراعات الإقليمية، مما يُضعف موارد البلاد. النظام، بقيادة خامنئي، يتوخى الحذر من احتمال اندلاع احتجاجات جديدة. “قضية رفع أسعار الطاقة، وخاصة البنزين، تم نفيها مرارًا من قبل وزير النفط، وكما أشار محسن پاکنژاد في هامش اجتماع حكومي، لا توجد حاليًا خطط لزيادة أسعار البنزين”، وفقًا لتقرير وكالة أنباء حكومية (جهان اقتصاد، 23 أكتوبر 2024).
ورغم محاولات المسؤولين التقليل من احتمالية رفع أسعار البنزين في الوقت الحالي، إلا أن مجرد الإشارة إلى الأمر أثارت القلق، خاصة مع اقتراب ذكرى احتجاجات نوفمبر 2019. الخوف من انتفاضة شعبية يعمق الشكوك، ويبدو أن السلطات تتعامل بحذر شديد.
في ظل هذه التطورات، يظل الشعب الإيراني، وخاصة الشباب، في حالة تأهب. ومع ذكرى القمع الدموي لاحتجاجات نوفمبر 2019 ما زالت حية في الذاكرة الجماعية، يبدو أنهم مستعدون لمقاومة أي تدهور آخر في أوضاعهم الاقتصادية. وكما أشار أحد المسؤولين، “مستقبل إيران في يد شبابها الشجعان والواعين، الذين هم على استعداد لفك قيود نظام ولاية الفقيه”.
ومع تحول أولويات الميزانية الحكومية بشكل كبير نحو الإنفاق العسكري، بما في ذلك زيادة بنسبة 400٪ في ميزانية القوات المسلحة، يبدو أن الضغوط الاقتصادية على الإيرانيين العاديين لن تخف. ومع استمرار البنزين في كونه محور الأزمة الاجتماعية والسياسية في البلاد، يظل احتمال اندلاع احتجاجات جديدة مرتفعًا.