هدر و حرق الغاز في ایران-
موقع المجلس:
أصدرت شركة “توانير” الحكومية للطاقة تحذيرًا شديدًا بشأن نقص الغاز الوشيك. ویأتي هذا التحذیر فی الوقت الذي تقترب أشهر الشتاء البارد في ایران. وفي بيان رسمي، أكدت “توانير” على أهمية ترشيد استهلاك الطاقة، داعية المواطنين إلى تقليل استهلاكهم للكهرباء والغاز. ويأتي هذا التحذير مع انخفاض درجات الحرارة بالفعل في المناطق الشمالية من البلاد، مما أدى إلى زيادة في الطلب على الغاز الطبيعي.
وأشار البيان الصادر عن “توانير” إلى أن إدارة استهلاك الطاقة ضرورية للحفاظ على احتياطيات الوقود التي تعتبر حيوية لاستمرار تشغيل محطات الطاقة. وذكرت الشركة أن “إدارة استهلاك الطاقة، خاصة الكهرباء والغاز، أمر ضروري للحفاظ على إمدادات الوقود في محطات الطاقة”. كما أكدت أن جزءًا كبيرًا من كهرباء إيران يتم إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعي في محطات الطاقة الحرارية. وأضافت أن استمرار تزويد هذه المحطات بالوقود يعتمد بشكل كبير على جهود وزارة النفط.
وعلى الرغم من هذا الدعوة لترشيد الاستهلاك، فإن أزمة الغاز ليست جديدة. ففي أشهر الصيف، يزداد استهلاك الغاز لتلبية الطلب على الكهرباء، وفي الشتاء يصبح الطلب على الغاز أكثر حدة مع زيادة الاعتماد على التدفئة. ولسوء الحظ، فإن نقص الاستثمار في التقنيات الجديدة والبنية التحتية قد حد بشكل كبير من قدرة إيران على زيادة إنتاج الغاز. ونتيجة لذلك، اضطرت المصانع ومحطات الطاقة إلى الإغلاق في محاولة لإدارة النقص.
ويزيد من تفاقم الوضع فشل الحكومة في الاستثمار في الطاقة المتجددة أو تنفيذ حلول فعالة للأزمة المستمرة في قطاع الطاقة. ونتيجة لذلك، يواجه كل من الأسر والصناعات تحديات كبيرة. وقد أدت الفجوة بين إنتاج الغاز واستهلاكه إلى تأثيرات سلبية كبيرة على الصناعات، حيث من المتوقع أن تتكبد خسائر اقتصادية كبيرة إذا استمر هذا الاتجاه.
وعلاوة على ذلك، دأبت الحكومة الإيرانية على تحميل المستهلكين مسؤولية نقص الغاز، وغالبًا ما تعطي الأولوية لاحتياجات الصناعات على حساب المواطنين العاديين في تخصيص الغاز. لكن الأسباب الجذرية للأزمة أكثر تعقيدًا، وتشمل مشاكل مثل عدم وجود استراتيجيات واضحة بشأن تطوير حقول الغاز، والاعتماد المفرط على محطات الطاقة الحرارية، والتوسع العشوائي لشبكات توزيع الغاز.
وذكر تقرير صادر عن مركز أبحاث البرلمان الإيراني في عام 2022 خطورة العجز في الغاز خلال أشهر الشتاء، حيث أشار إلى أن متوسط العجز خلال الأشهر الثلاثة الأبرد من العام وصل إلى 227 مليون متر مكعب يوميًا، وبلغ ذروته عند 315 مليون متر مكعب يوميًا في فبراير. وفي عام 2022، بلغ استهلاك الغاز في الحكومة الإيرانية حوالي 241 مليار متر مكعب، بمتوسط يومي قدره 597 مليون متر مكعب في الأشهر الدافئة و782 مليون متر مكعب في الأشهر الباردة.
وأكد سعيد توكلي، المدير العام لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، في ديسمبر 2023 أن العجز في الغاز وصل إلى مستوى حرج، وبلغ 260 مليون متر مكعب يوميًا. وحذر من أن نقص الغاز في إيران قد دخل مرحلة “الأزمة”، ودعا إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من الوضع. وقال “يجب اتخاذ خطوات فورية لمعالجة نقص الغاز ومنع تدهور الوضع أكثر”.
وعلى الرغم من أن إيران تُعد ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، إلا أنها تكافح لتلبية الطلب المحلي المتزايد. وقد انخفض إنتاج الغاز في البلاد بشكل كبير بسبب تراجع الضغط في حقل “بارس الجنوبي”، الذي يمثل حوالي 75٪ من إنتاج الغاز في إيران. ويرجع هذا الانخفاض إلى نقص الاستثمار في تطوير حقول جديدة وصيانة الحقول الحالية. في الوقت نفسه، تظل واردات الغاز الطبيعي محدودة للغاية بسبب نقص البنية التحتية مثل خطوط الأنابيب ومحطات استقبال الغاز الطبيعي المسال (LNG)، مما يجعل إيران تعتمد بشكل كامل على إنتاجها المحلي لتلبية احتياجاتها من الغاز.
وإذا استمرت هذه الاتجاهات، من المتوقع أن تواجه إيران أزمة غاز أكثر حدة بحلول عام 2041، حيث تشير التوقعات إلى أن البلاد لن تتمكن من تلبية سوى ثلث احتياجاتها من الغاز، مما قد يستدعي استيراد ما يصل إلى مليار متر مكعب من الغاز يوميًا.
وفي تطور حديث، صرح سعيد توكلي في 18 سبتمبر 2024، خلال حدث تدشين الدورة الإنتاجية الكاملة للأنابيب في صناعة الغاز، أن المشكلة الحالية التي تواجه إيران لم تعد مجرد “اختلال في توازن الغاز”، بل أصبحت “نقصًا حقيقيًا في الغاز”. وشدد على الحاجة الملحة للتركيز على خفض استهلاك الغاز واتخاذ خطوات ملموسة في مجال الاستثمار والتطوير في قطاع الطاقة.
وفي تحذير جديد بتاريخ 23 سبتمبر 2024، أشار إلى أن إيران تتجه نحو مواجهة عجز في الغاز يصل إلى 373 مليون متر مكعب يوميًا بحلول نهاية فترة الحكومة الحالية، مما يبرز حجم الأزمة التي تواجه البلاد. ويبقى مستقبل أمن الطاقة في إيران غير مؤكد، مع تحديات كبيرة في الأفق ما لم تُتخذ إجراءات فورية لعكس هذا الاتجاه.