موقع المجلس:
خلال الفترة من 9 سبتمبر إلى 11 أكتوبر 2024،شهدت الدورة السابعة والخمسون لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المنعقدة في جنيف في تقديم تسع منظمات غير حكومية ذات صفة استشارية لدى الأمم المتحدة بيانًا مشتركًا تم تسجيله كوثيقة رسمية ضمن جلسات الدورة. وقد تم تسليم هذا البيان، الذي يتناول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت حكم النظام الإيراني، إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
وأبرز البيان المشترك، الذي حمل عنوان “الحاجة الملحة لمواجهة الإفلات من العقاب في النظام الإيراني”، الانتهاكات الخطيرة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان في إيران. وشملت هذه الانتهاكات القمع الدموي للمتظاهرين المناهضين للحكومة، واضطهاد العائلات التي تطالب بالعدالة لضحايا الإعدامات خارج نطاق القانون والاختفاء القسري، خصوصاً السجناء السياسيين الذين تمت تصفيتهم في المجازر الجماعية عام 1988. وقد أكدت تقارير منفصلة للأمم المتحدة في عام 2024 أن هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان تشكل جرائم ضد الإنسانية مستمرة.
ودعا البيان إلى ضرورة أن تنشئ الأمم المتحدة آلية للمساءلة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب التي تسود النظام الإيراني منذ 45 عامًا. ومع استمرار ارتفاع معدل الإعدامات في إيران، تعد هذه الآلية ضرورية لمواجهة التهرب المستمر من العدالة داخل البلاد.
وأكد البيان على غياب أي قنوات داخلية للمساءلة عن جرائم مثل الاختفاء القسري عام 1988. فلا توجد في النظام الإيراني طرق للسعي نحو الحقيقة أو العدالة، ولا يمكن للضحايا المطالبة بالتعويضات. بل إن العائلات التي تطالب بالمساءلة تتعرض بشكل متكرر للاستهداف والمضايقة والعقاب. ومن الأمثلة البارزة على هذه المضايقات، حالة السجينة السياسية مريم أكبري منفرد.
وتقدمت السيدة أكبري منفرد بشكوى رسمية إلى القضاء الإيراني في 15 أكتوبر 2016 من داخل السجن، مطالبة بإجابات حول مصير أشقائها الذين اختفوا قسرياً خلال مجزرة صیف عام 1988. وبدلاً من الحصول على العدالة، تعرضت لمزيد من الضغط، بما في ذلك حظر زيارات عائلتها ونفيها القسري إلى مكان بعيد عن أطفالها. وأبلغتها السلطات الإيرانية أن الإفراج عنها مرهون بتخليها عن مطلبها للعدالة.
رغم مرور 15 عاماً على سجنها دون إجازة واحدة حتى خلال جائحة كورونا، ما زالت تعاني. وفي 30 يونيو 2023، تم استدعاؤها إلى مكتب المدعي العام في سجن إيفين، حيث واجهت خمس تهم جديدة أسفرت عن حكم بالسجن لمدة سنتين إضافيتين. يهدف احتجازها المطول إلى إجبارها على التخلي عن سعيها للعدالة.
وتطرق البيان المشترك أيضًا إلى زيادة عدد الإعدامات في إيران، واصفًا استخدام عقوبة الإعدام كأداة إرهابية. وذكر أن القمع المستمر للنساء والفتيات في إيران، الذي أكدته بعثة تقصي الحقائق الدولية التابعة للأمم المتحدة، يشكل جرائم ضد الإنسانية مستمرة.
كما تم تسليط الضوء في البيان على مجزرة 1988 باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية. وأكد تقرير منفصل من إعداد جاويد رحمان، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، أن “الجرائم المروعة” من إعدامات تعسفية وخارج نطاق القانون في الفترة من 1980 إلى 1981 وعام 1988 ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والإبادة، بالإضافة إلى الإبادة الجماعية.
وتم نشر هذا التقرير، بعنوان “جرائم مروعة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل النظام الإيراني (1981-1982 و1988)”، في 21 يوليو 2024 على موقع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. وأشار التقرير إلى أن ضحايا هذه الإعدامات شملوا نساء وأطفالاً كثيرين. كما تضمنت الجرائم ضد الإنسانية السجن والتعذيب والاختفاء القسري.
وأكد تقرير رحمان بشكل خاص على الإعدامات الجماعية خارج نطاق القانون والاختفاء القسري لآلاف السجناء السياسيين في عام 1988، وقال: “تشير مجزرة 1988 في إيران إلى هجوم واسع النطاق ومنهجي على المدنيين، أدى إلى عمليات قتل جماعي وإعدامات تعسفية وخارج نطاق القانون، فضلاً عن الاختفاء القسري لآلاف السجناء السياسيين بين يوليو وسبتمبر 1988.
وبعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف، لا تزال هذه الاختفاءات القسرية مستمرة. وكان معظم من تم إعدامهم أعضاء أو مؤيدين لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، على الرغم من أنه تم أيضًا اختفاء وإعدام مئات الأفراد المنتمين إلى الجماعات السياسية الماركسية”.
وكشف التقرير كذلك: “تُفيد التقارير أن مجزرة 1988 بدأت بعد صدور فتوى من خميني، رغم أن الشهود والعديد من الناجين من المجزرة أبلغوا المقرر الخاص بأن عملية إعدام السجناء بدأت قبل عدة أشهر من المجزرة”.
وأوصى رحمان بضرورة إنشاء آلية للتحقيق والمساءلة لضمان إجراء تحقيقات محايدة وشفافة وفقًا للقانون الدولي والحفاظ على الأدلة للملاحقات الجنائية المستقبلية ضد المسؤولين عن “الجرائم المروعة” في جمهورية إيران الإسلامية. وأكد: “إن الإخفاء المستمر لمصير الآلاف من المعارضين السياسيين وموقع دفنهم يشكل جريمة ضد الإنسانية، وهي جريمة الإخفاء القسري”.
واختتم رحمان قائلاً: “لقد لاحظت غياب العدالة والمساءلة في إيران وتأثيره المدمر على عائلات الضحايا والوضع الحالي لحقوق الإنسان في البلاد”. وأعاد التأكيد: “يجب ألا يكون هناك إفلات من العقاب على مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن وقت حدوثها. لا يجب أن يهرب النظام الإيراني وقادته من تبعات جرائمهم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية. إن وجود آلية تحقيق ومساءلة دولية مستقلة لإيران أمر لا غنى عنه”.
ويضع تقرير المقرر الخاص الأساس لتحقيق العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب في جمهورية إيران الإسلامية. ويجب على المجتمع الدولي دعم خليفة الأستاذ رحمان، الدكتورة ماي ساتو، بشكل كامل في سعيها للوصول إلى الحقيقة وتحقيق المساءلة ومنع الإفلات من العقاب.
ويجب على مجلس حقوق الإنسان أن يتخذ إجراءات بناءً على توصيات المقرر الخاص بإنشاء آلية مساءلة دولية لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المروعة التي ارتكبها النظام الإيراني، لا سيما الإعدامات خارج نطاق القانون والاختفاء القسري في عام 1988.
كما يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تستند إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية للتحقيق وإصدار مذكرات توقيف وملاحقة المسؤولين الإيرانيين المتورطين في هذه “الجرائم المروعة”، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية والانتهاكات الجسيمة الأخرى لحقوق الإنسان التي تعد جرائم بموجب القانون الدولي.