ایلاف – نزار جاف:
في بدايات الالفية الجديدة، ولا سيما بعد الاحتلال الامريکي للعراق، کان هناك حديث ساخن يدور بشأن إن النظام السياسي ـ الفکري العربي قد وصل الى طريق مسدود وهو في طريق التلاشي والانهيار ولابد من بديل له، وکان مصدر هذا الحديث نظام الملالي وذراعه اللبناني حزب حسن نصرالله، ولاغرو إن إثارة هذا الحديث بدأ بعد أن تيقن ملالي إيران من حتمية سقوط العراق في سلتهم بفضل الدور الخبيث والمشبوه الذي لعبوه في ذلك الاحتلال الذي أوصل العراق الى الاوضاع المزرية الحالية، وکانت أعينهم مصوبة بمختلف الاتجاهات ولا سيما وإن ما کان يثار في وقته من حديث عن “الشرق الاوسط الجديد” في ذروته، خصوصا وإنهم في غمرة إنتظارهم لأحداث وتطورات مرتقبة في المنطقة قد أخذوا إستعداداتهم الکافية من أجل التصيد في المياه العکرة تماما کما فعلوا في العراق!
نظام الملالي الذي کان يقوم بإعداد الطبخات “السياسية ـ الفکرية ـ الاجتماعية” في دهاليزه وأقبيته خصوصا بعدما بدأ يستفيد من الورقة الفلسطينية ويدغدغ مشاعر العرب والمسلمين على حد سواء بإثارة قضية القدس وتوظيفها من أجل تحقيق أهدافه وذلك بإعداد أرضية وأجواء مناسبة تضمن له ذلك، علما بأنه وفي نفس الوقت وتزامنا مع ذلك وفي ذروة تمشدقه بالحديث عن الوحدة الاسلامية والتقريب بين المذاهب، کان يقوم أيضا وعن طرق مختلفة تعود معظمها الى قم وطهران بإثارة ماسماه بـ “مظلومية الشيعة” في البلدان العربية وکان يقصد بذلك البلدان الخليجية وفي مقدمتها السعودية، هذا إضافة الى سعيه للإمتداد عن طريق الفکر الشيعي المسيس الى مصر والسودان وبلدان المغرب العربي، وبهذا الشکل والمضمون کان نظام الملالي يمهد من أجل تنفيذ مشروع خميني وبسط نفوذه على المنطقة العربية تحت ستار إن النظام السياسي ـ الفکري العربي في أزمة وإنه قد وصل الى طريق مسدود والبديل هو مايتم إعداده في مطابخ هذا النظام والذي هو في النتيجة نسخة طبق الاصل منه!
رهان هذا النظام على الاحداث والتطورات الجارية والمتغيرات والمستجدات المتداعية عنها في المنطقة، جعلهم يلقون بکل ثقلهم فيها على أمل أن يصبحوا في النتيجة أمرا واقعا لامناص إلا القبول به، وهذا الاندفاع الجنوني لملالي قم وطهران کان بصورة بحيث لم تضع وبشکل خاص أي حساب للداخل الايراني، فهم کانوا واثقين من إن الجدار الامني الذي شيدوه عن طريق الحرس الثوري وقوات التعبئة “البسيج” الى جانب وزارة الامن، بالاضافة الى البعد المقدس الذي أضفوه على النظام، کانوا واثقون من إستحالة حدوث أية حرکة مضادة ضدهم نظير تلك التي حدثت مع سلفهم نظام الشاه، ولم يستفد هذا النظام من درس إنتفاضة 2009 ولا من درس إنتفاضة أواخر عام 2017 وأواخر عام 2019، بل إنه کان يٶمن بسرمدية دور وتأثير ماکنته القمعية “المقدسة”، وهو بذلك وکأي نظام ديکتاتوري مغرور ببطشه وقسوته راهن على إستحالة سقوطه، خصوصا وإنه قد وضع کل کراته في سلة تدخلاته الخارجية وعسکرة النظام وإستهان بإرادة الشعب وقوى المعارضة الايرانية الفعالة المتمثلة بمنظمة مجاهدي خلق، حيث شاءت الاقدار أن تتوحد قوة وإرادة الشعب الايراني مع الدور والنضال الذي خاضته المنظمة على مر أکثر من أربعة عقود في إنتفاضة ال16 من أکتوبر 2022، والتي يمکن وصفها بأنها بإستمرارها غدت کالصخرة الصلبة التي تحطمت عليها کبرياء النظام الايراني.
الانتفاضة التي التي حاول ويحاول النظام حصرها في زاوية ضيقة ويسعى للإيحاء بأنها مٶامرة خارجية من أجل أهداف إنفصالية، لکن وحدة الصف الفريدة من نوعها التي ظهر فيها الشعب الايراني في داخل وخارج إيران والتي رکزت على إن الهدف هو تغيير النظام وليس أي شئ آخر، قد دحضت مزاعم النظام وفندتها بکل قوة.
الصورة التي طالما سعى النظام لفرضها على الواقع الايراي لم تعد مناسبة إطلاقا وإن جميع مکونات الشعب الايراني من مختلف الاعراق والاديان والمذاهب من ترك وعرب وفارس وکرد وبلوش وغيرهم يريدون إنهاء النظام الديني المفروض عليهم بقوة الحديد والنار، وإن النظام الذي کان مستمرا طوال أربعة عقود لأنه قد تمکن من الإيحاء بأن الايرانيون لا يٶمنون بإسقاطه وإن ذلك مستحيل، ولأن حالة الخوف مهيمنة عليهم، ولأنه تمکن من التلاعب بالقيم الوطنين والانسانية وإنه نجح في شق وحدة الصف وخلق حالة من الانقسام والى جانب کل ذلك خلق حاجزا ومسافة بين الشعب وبين قوته الوطنية الاقوى المعادية له والمتمثلة في مجاهدي خلق، لکن العمل من أجل تغيير هذه الصورة بدأ منذ إنتفاضة 20 يونيو1981 التأريخية الکبرى وإنتفاضات مشهد، وشيراز، وقزوين، وإسلام شهر، وزنجان، وانتفاضات 1999، و 2009، و2017، و2019، والان ومن خلال الانتفاضة الحالية، فقد دخل النظام المرحلة الأخيرة من معركته مع الشعب والمقاومة. وهذه الانتفاضة كانت نتيجة 43 عاما من الصراع بين الشعب والمقاومة ضد هذا النظام ولم تكن وليدة الساعة ولم تتحقق بسهولة.
أهم ملاحظة يجب على بلدان المنطقة خصوصا والعالم عموما أن يأخذونها بنظر الاهمية والاعتبار هو إن النظام الذي کان بالامس متفرغا للإنطلاق والعبث والتدخل في بلدان المنطقة والعالم، لم يعد اليوم کذلك، إذ أن زمن التفرغ قد إنتهى وهو أمام داخل ساخن إنهار فيه جدار الخوف والرعب وصار الشعب الايراني بمختلف مکوناته وشرائحه وبشکل خاص النساء والشباب يريدون إسقاط هذا النظام، وحتى إن جريمة قتل مهسا أميني قد کانت بمثابة الشرارة التي کان الهشيم الايراني بإنتظارها، ذلك إن الشعب الذي ضاق ذرعا بنهج هذا النظام ودفع ثمنا باهضا جدا من أجل ذلك، لم يجد في النهاية مناصا من خوض صراع حياة أو موت مع هذا النظام، وإن تقييم مرور أکثر من 75 يوما على الانتفاضة التي وبموجب تسريبات موثوقة من داخل النظام، لا يوجد أي أمل أو أفق لنهايتها، يٶکد بأن العام الحالي 2022، هو صورة طبق الاصل للعام 1978، أي العام الذي سبق سقوط نظام الشاه.
الرسالة المهمة التي على بلدان المنطقة والعالم تلقيها من هذه الانتفاضة النوعية التي أرهقت النظام وأحرجته ليس أمام العالم بل وحتى أمام أنصاره وأذرعه في المنطقة، إن الوقت قد حان لکي يتم “رد الجميل” للشعب الايراني الذي تحمل کثيرا ودفع ثمنا باهضا جدا في مواجهة هذا النظام وذلك بدعمه وتإييده عمليا وليس نظريا، ولا سيما وإن هذا النظام الذي کان يتربص شرا بالمنطقة والعالم قد عاد المکر السئ الى عقر داره وإن الشعب عازم على المضي قدما حتى إسقاطه والدليل هو إن مئات الضحايا وآلاف السجناء لم تعد ترهبه بل إنه وعوضا عن أن يندب ويبکي الضحايا يواصل مسيرتهم حتى إکمالها.