الکاتب – موقع المجلس:
تنطوي أسباب التخلف التاريخي والمدني لإيران في كل فترة من تاريخها على بعض المؤشرات. وعادة ما تتجلى مؤشرات هذا التخلف في عالم السياسة والاقتصاد أكثر منه في المجالات الأخرى. فعلى سبيل المثال، تتمثل أسباب تخلف إيران منذ زمن بعيد وحتى الثورة الدستورية، فيما يلي:
هيمنة المستعمرين واعتمادهم على الحكام المستبدين
عزل إيران عن التقدم في العلم والثقافة على الصعيد العالمي
استبداد الحكام بالوراثة بدعم من رجال الدين الرجعيين الداعمين للحكام المستبدين
فضلًا عن التملق والنرجسية والكذب والخرافات كمظاهر للفساد في المجال السياسي الإيراني
كما أن اتحاد المستبدين ورجال الدين الرجعيين التابعين للحكومة منع وما زال يمنع على طول الخط تشكيل التكتلات النقابية والاجتماعية والسياسية، من خلال التمتع بمائدة سفرة الأوتوقراطية.
وبالاتحاد بين مثلث الاستعمار والاستبداد والرجعية انقلبوا مرة أخرى عل الثورة الدستورية التي سعت إلى وقف هذه الحلقة الفاسدة، واستمرت الدورة المتكررة من التخلف السياسي والاقتصادي والمدني والثقافي لإيران حتى وصلت إلى وريث المستبدين السابقين، أي الجمهورية الإسلامية الفقهية.
وتفوَّق نظام ولاية الفقيه في جبروته على كل أسلافه، ليجعل كل أمور الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية ثمنًا وفداءً لتحقيق المصالح السياسية للسلطة، واستمرار سيطرة الاحتلال. إن هذه الشريعة أو شبه الشريعة التي جمعت رجال الدين الرجعيين في البلاط الشاهنشاهي مع السياسة المتسترة في ثوب الدين ودمجتهما مع بعضهما؛ كثَّفت من تخلف إيران بوجود ممثل للدين الحكومي باعتباره أساسًا للبعد والقرب منها. وأصبح ذلك سيفًا لمؤشر الحق والباطل، وسيفًا لشرعية الاستغلال، وسيفًا للفتوى الدموية، وسيفًا لانتهاك حقوق الإنسان، وسيفًا لمناهضة المرأة، وسيفًا لقتل الحرية.
والجدير بالذكر أن مؤشر تخلف إيران يكمن في ظل الظروف الحالية في وجود هذا السيف وهذه الشريعة. ونتيجة لتكرار جرائمها، تقوم هذه السلطة الفاشية بمحاولات دعائية واسعة النطاق للتظاهر كذبًا وبهتانًا بأن وجود هذا السيف وهذه الشريعة أمر طبيعي؛ بغية جعل اللامبالاة والرضا عن الوضع الراهن أمر لا مفر منه. لذلك، يُعتبر تدخل هذا النظام الفاشي في أكثر الشؤون الشخصية والفردية تفصيلًا وربطها بسلطته؛ استمرارًا لعملية تخلف إيران وتفاقمها المزدوج.
ونلاحظ أنه حتى تسييس تفاصيل الحياة الشخصية والفردية والعائلية، والصراع حولها مع سلطة الملالي مرتبط بشكل مباشر بتخلف إيران. ولهذا السبب، نجد في نظام الملالي أن خدعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرجعية أيضًا تنطوي على أداء ذرائعي بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ نظرًا لأن طابعها سياسي من حيث المبدأ، وترتبط مباشرة بالمصالح السياسية للسلطة. وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “جمهوري إسلامي” الحكومية، في عددها الصادر في 1 أغسطس 2022 النقاب عن ركن من أركان هذه الخدعة السياسية – الذرائعية، حيث كتبت أن:
“الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسير للألاعيب السياسية. ومعظم التعليقات الصادرة هذه الأيام تتسم بالطابع السياسي”.
وفي الختام، أشارت الصحيفة المذكورة إلى أنه لم يكن هناك على الإطلاق أي تعريف للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خلال هذه السنوات الـ 43، وهذه الخدعة ليست سوى أداة سياسية، وكتبت:
“نظرًا لأنه لا يزال هناك خلاف في نظام الجمهورية الإسلامية بعد 42 عامًا، حول تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأبعاده ومستوياته ومراحله ومفاهيمه وكيفية تطبيقه، فإنه يكشف النقاب عن الصراعات السياسية والذرائعية في مواجهته”.
ويكمن السبب الآخر في تخلف إيران في التملق والمداهنة والاستخفاف بالآخرين، وحلف اليمين الكاذب أمام أصحاب السمو وولاة الفقيه. وكان ذلك أيضًا أحد مؤشرات اختيار الوزير والمدير والوكيل في التاريخ السياسي لإيران وما زال معمولًا به. ومن المفارقات، نجد أن أحد أبرز المؤشرات على هذا الفساد المؤسسي في مجال السياسة الإيرانية هم المعيَّنون تحت مسمى الوزير وقائد الجيش في الحكومة الإسلامية الفتية، والمفضَّلون لدى الولي الفقيه. ويكفي أن نشير فيما يلي إلى عنوان قصير في الإعلام الحكومي، وشهادة من خبراء حكوميين لوصف هذا التخلف:
– “العديد من المديرين في حكومة رئيسي ليسوا لديهم الخبرة اللازمة لحل المشاكل”. (صحيفة “همدلي”، 4 أغسطس 2022).
– “الفريق الحكومي ليس لديه الخبرة الكافية ولا الخبرة اللازمة!” والسيد مخبر، النائب الأول لرئيس الجمهورية، لم يدرس الاقتصاد وليس لديه أي فكرة عنه. ولم يدرس رئيس هيئة التخطيط والموازنة ورئيس البنك المركزي الاقتصاد على الإطلاق! “. (موقع “ديدبان إيران” الحكومي نقلًا عن بيان الخبراء الحكوميين – 24 يوليو 2022).
ويكمن السبب الآخر في تخلف إيران في الأكاذيب والعبثية واستثارة عواطف الجمهور العام من أجل الحصول على السلطة أو الشعبية، والمصحوبة بالأمية التاريخية والسياسية والثقافية في مجال تدبير أمور الدولة. ومن المفارقات هنا، أن أحدث مؤشر لا يزال هو المُدلَّل الذي عيَّنه الولي الفقيه رئيسًا للجمهورية. والذي بدأ بمجرد توليه مقاليد الحكم؛ في قطع وعود واهية على نفسه. ومن بين هذه الوعود الواهية؛ الوعد ببناء 1,000,000 وحدة سكنية، في غضون عام واحد. وبدون الخوض في أي تفسير، انظروا في السجل الحالي الذي نشرته صحيفة “همدلي” في عددها الصادر في 1 أغسطس 2022 لتجدو أن:
“التقدير الأولي البسيط يظهر أن الفئات الضعيفة يمكنها شراء منزل مساحته 100 متر في العاصمة، بعد حوالي 731 شهرًا، أي بعد ما يقرب من 60 عامًا!”.