ایلاف – نزار جاف:
واحدة من أکثر التهديدات والتحديات التي واجهت النظام الديني المتزمت في إيران ومنذ بدايات تأسيسه، دور ونشاط وشعبية منظمة مجاهدي خلق بين أوساط الشعب الايراني، ولم يأل هذا النظام جهدا أو مسعى مهما کان نوعه وحجمه إلا وقد بذله من أجل القضاء على هذه المنظمة وطوي صفحتها الى الابد.
الحديث عن الجهود المختلفة والتي کانت بصيغ وأشکال عديدة من أجل تصفية المنظمة، حديث ذو شجون ولاسيما وإنه يکشف عن الوجه الحقيقي لهذا النظام من حيث تعامله مع خصومه ولاسيما الخصم الذي يقف ندا له، خصوصا وإنه ومنذ اليوم الاول بعد سقوط نظام الشاه وإنتصار الثورة الايرانية، فقد تمخض ذلك فيما تمخض عن بروز تيارين سياسيين ـ فکريين متنافسين، الاول کان يمثله التيار الديني المتشدد في الثورة والذي کان يتزعمه الخميني، فيما کان التيار الثاني تجسده منظمة مجاهدي خلق.
التيار الذي کان يقوده خميني، يتبنى تفسيرا رجعيا وعقائديا للإسلام ويقوم بإستخدام وتوظيف الدين من أجل تحقيق أهدافه وغاياته، فيما يروج التيار الثاني”أي مجاهدي خلق”، لنهج ديمقراطي متسامح وإنفتاحي على الآخر ومتقبل له، وهو نهج يتفق عليه معظم الايرانيين ويرون فيه السبيل الامثل للتعامل والعيش في ظله، ولکن يبدو إن الاختلاف بين التيارين قد أصبح خلاف لايمکن أبدا حله وحسمه بالحوار وماإليه، بل إنه صار خلاف حياة أو موت، وهذا ماقد عکسه وجسده هذا النظام وبصورة عملية في مجزرة صيف 1988، التي راح الالاف من السجناء السياسيين الايرانيين ضحيتها وکان جلهم من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، في الوقت الذي جعلت فيه الاخيرة من شعار إسقاط النظام، شعارا مرکزيا لها.
محاکمة حميد نوري، أحد مرتكبي مجزرة عام 1988، في سجني إيفين وجوهردشت سيئي السمعة، أمام محكمة في ستوكهولم منذ 10 أغسطس / آب 2021، أحرج النظام الايراني مرة أخرى أيـا إحراج ولاسيما وإن هذه المحاکمة تأتي بعد تلك المحاکمة التي جرت للدبلوماسي الارهابي أسدالله أسدي وعصابته من جانب محکمة بلجيکية بتهمة التخطيط لتفجير التجمع السنوي للمنظمة في باريس عام 2018، وصدور أحکام بسجنهم لأعوام طويلة، والملفت للنظر کثيرا، إنه وکما کانت مجزرة 1988، کانت بمثابة جريمة سجني إيفين وجوهردشت، فإن عملية تفجير التجمع السنوي للمنظمة في عام 1988، والذي حضره قرابة ال100 ألف من الحضور، فيما لو کتب لها النجاح، فإنها کانت أيضا مجزرة مروعة وجريمة ضد الانسانية وبإمتياز، وهذا يدل على إن عقلية واسلوب هذا النظام منذ تأسيسه ولحد يومنا هذا لم يختلف ولن يختلف، فهو وکما أکدت في مقالات عديدة سابقة بأنه نظام متحجر لايقبل التغيير أبدا!
في الـ20 من كانون الأول (ديسمبر) 2021، نشرت وكالة مهر للأنباء، المقربة من وزاة الاستخبارات والامن الايرانية، مقابلة مطولة حول المسؤول الثاني السابق في النظام الحاكم في إيران، آية الله حسين علي منتظري، والذي جرى في عام 1985، تعيينه رسميا خلفا لمؤسس النظام روح الله الخميني. ولكن في عام 1989، قبل وفاة الخميني، تم تجريد منتظري من اللقب بشكل غير رسمي، ونبذه علنا، ووضع في النهاية قيد الإقامة الجبرية حتى وفاته في عام 2009، علما بأن الاعلام الرسمي للنظام وبعد تعيينه بصفة الرجل الثاني في النظام کان يصفه ب”أمل امام الامة”، وهي صفة أغدقها الخميني على المنتظري ثم لم يعد لها من ذکر بعد موقف المنتظري المناهض لمجزرة 1988، ورفضها والدعوة لإيقافها.
في المقابلة المطولة التي نشرتها “وکالة مهر”، شرح مسؤول كبير في وزارة المخابرات مجهول مسار سياسات منتظري لما بعد ثورة 1979، مع التركيز بشكل خاص على التطورات المتعلقة بالمعارضة الرئيسية (مجاهدي خلق). ويبدأ مسؤول المخابرات بوصف منتظري بأنه تلميذ سابق للخميني و”ممثله المعين بسلطة كاملة”. ثم يوضح كيف أصبح الخميني ودائرته الداخلية حذرين من التطورات في مكتب منتظري (بيت)، مما أجبر الخميني في نهاية المطاف على فصل منتظري من جميع ألقابه الرسمية، لا سيما بعد أن احتج الأخير على مذبحة عام 1988 التي راح ضحيتها 30 ألف سجين سياسي، الغالبية العظمى منهم ينتمي إلى منظمة مجاهدي خلق.
الملاحظ أن جانب کبير من مقابلة وكالة مهر بشكل مكثف على موقف منتظري تجاه منظمة مجاهدي خلق. يقول مسؤول المخابرات إن الخميني حذر في عام 1983 سلطات النظام من أن “المجرمين” (أي المعارضين) “يسعون لاستغلالك شخصيا وسيرغبون في التسلل إلى مكاتبكم … لإحداث انحرافات داخل النظام”. ضمن هذا السياق، سئمت سلطات النظام من النفوذ السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، ليس فقط داخل المجتمع ككل ولكن أيضا “التسلل” المحتمل إلى مكاتب السلطات العليا. وأمر الخميني وزارة المخابرات المنشأة حديثا بإيلاء اهتمام خاص لأنشطة مكتب منتظري. وقال مسؤول المخابرات إنه حتى قبل الثورة، فإن البعض في مكتب منتظري، بما في ذلك صهره، تعاطفوا مع منظمة مجاهدي خلق وقضيتها.
ويستطرد هذا المسٶول: “تحول موقف السيد منتظري تدريجيا إلى دعم منظمة مجاهدي خلق.في البداية، انتقد أساليب وكيفية تعامل الدولة مع منظمة مجاهدي خلق، وعاما بعد عام، ازدادت حدة الدعم لمنظمة مجاهدي خلق حتى وصلنا إلى عام 1988 عندما اتخذ موقفا صريحا ضد الإمام (الخميني) والدولة أثناء دعمه لمنظمة مجاهدي خلق. مجاهدي خلق”. وفي التأكيد غير المقصود منه على القاعدة الاجتماعية الواسعة لمنظمة مجاهدي خلق، يعترف المسؤول بأن العديد من عائلات المسجونين المتعاطفين مع منظمة مجاهدي خلق التقوا مع منتظري وأتيحت لهم الفرصة للتعبير عن مظالمهم والجرائم المرتكبة ضدهم. ويضيف: “هذا هو الاتجاه الذي دفع السيدة منتظري في عام 1988 للدفاع عن منظمة مجاهدي خلق ضد الإمام (الخميني) والدولة”. وفي عام 1988، من خلال مرسوم ديني مكتوب بخط اليد نشره منتظري لاحقا في مذكراته، أمر الخميني بالقضاء على مجاهدي خلق. وأمر أنصاره في السجون في جميع أنحاء إيران، وبعد ذلك، في غضون بضعة أشهر، أعدم النظام حوالي 30 ألف سجين سياسي، أكثر من 90٪ منهم أعضاء في منظمة مجاهدي خلق.
لکن الذي يلفت النظر أکثر، هو ماقد کشف عنه مسٶول المخابرات هذا في هذه المقابلة من إنه إنه في وقت مبكر من عام 1983، أمر الخميني مرؤوسيه “باقتلاعهم (مجاهدي خلق) قبل أن أموت”. وهو مايشير الى قلق وتوجس الخميني من إستمرار دور ونشاط وتأثير المنظمة حتى بعد موته ولذلك فإنه أراد حسم الامر قبل أن يغادر الدنيا كما يوضح أيضا وبجلاء أن الخميني كان ينوي القيام بإبادة جماعية غير مسبوقة ضد منظمة مجاهدي خلق منذ بداية حكمه، وهي خطة بلغت ذروتها في مجزرة عام 1988.
هناك ملاحظة أخيرة مهمة أريد ذکرها في نهاية هذا المقال، وهي إن الشعار الذي رفعته منظمة مجاهدي خلق والداعي لإسقاط النظام، قد ردده الشعب الايراني خلال إنتفاضات 2009 و2017 و2019، وحتى خلال إنتفاضة إصفهان التي أعلن النظام الاحکام العرفية في إصفهان من أجل إخمادها، وفي هذا الامر بحد ذاته ما يبرر السبب الکامن وراء سعي النظام من أجل تصفية وإبادة مجاهدي خلق عن بکرة أبيها، لکن الذي يتجاهله النظام هو إن رسالة مجاهدي خلق ليس قد وصلت للشعب الايراني فقط وإنما حتى يعمل بها!