الکاتب – موقع المجلس:
يصادف الثالث من تموز (يوليو) ذكرى الانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الإيرانية على المؤامرة التي كانت قائمة على صفقة بين نظام الملالي والحكومة الفرنسية أنذاك للقضاء على المقاومة الإيرانية، الثالث من تموز (يوليو) ذكرى هزيمة المؤامرة الشائنة في 17 حزيران / يونيو 2003 ضد المقاومة الإيرانية حيث هاجمت الحكومة الفرنسية مكاتب المقاومة الإيرانية في باريس على أساس صفقة تجارية بمليارات الدولارات بين شركتي توتال ورنو الفرنسية وبين النظام الإيراني، بهدف تدمير المقاومة الإيرانية بقيادة مريم رجوي، لكن محكمة فرنسية حكمت في 3 يوليو بعدالة المقاومة الإيرانية وعادت السيدة رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية ، إلى مقرها في اوفيرسورافاز في ضواحي باريس.
حوالي ظهيرة الثالث من تموز (يوليو) عام 2003 وبعد ساعات من الانتظار والهلع لجمهور غفير من أبناء الجالية الإيرانية تجمع أمام مقر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في ضاحية «أوفير سور أوايز» الباريسية، عادت مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية إلی مقر إقامتها في هذه الضاحية وسط ترحيب حار وحماس ودموع الفرح وأحاسيس فياضة لآلاف الرجال والنساء والشبان الإيرانيين ورئيس بلدية أوفير والجيران المخلصين والعطوفين لمقر الرئيسة مريم رجوي وکذلک عدد من الشخصيات الفرنسية الإنسانية.
وفي تقرير له تحدث التلفزيون الفرنسي عن أحداث ذلک اليوم قائلاً: «في أوفير سور أواز تم الترحيب بمريم رجوي مثل الترحيب بالمسيح».
کيف يمکن التعبير عن الحقيقة أوضح وأجلی من ذلک؟
من لا يعرف أن المسيح هو المثال الفريد في التاريخ علی التعرض للظلم والاضطهاد وعلی البراءة؟
وقد يکون الفرنسيون قد شهدوا عن لسان وسائل الإعلام علی هذه الحقيقة لتسجيلها في التاريخ. وذلک اليوم کان يوم النهاية المنتصرة والرائعة والمفعمة بالفخر والنخوة للحزن والفراق بالنسبة للشعب ومجاهدي الشعب الإيراني وجميع الضمائر الحرة والحية في العالم. فمر الحريصون علی تحرير إيران بأکثر أسابيع تاريخهم توترًا والتهابًا.
في ذلک اليوم وفي جميع أقطار العالم احتفل مقاتلو جيش التحرير في مدينة أشرف والشعب الإيراني في الأزقة والشوارع والمنازل بأحد أکبر أيامهم المفرحة.
هناک في التاريخ الإيراني الحديث بمائة عام أيام فريدة من حيث شدة الشوق والحرص والحماس، منها اليوم الذي انتفض فيه أبناء الشعب الإيراني حتی دفعوا الشاه إلی التراجع وأعادوا الدکتور مصدق إلی منصب رئيس الوزراء، واليوم الذي هرب فيه الشاه من إيران واليوم الذي مات فيه خميني واليوم الذي عادت فيه مريم إلی أحضان الإيرانيين.
في الأسبوعين المذکورين کانت الأجواء السياسية في فرنسا والبلدان الأخری مشحونة بالتوتر والالتهاب والاضطراب واحتفل الإيرانيون من أنصار المقاومة بانتصارهم وفشل التعاملات والمساومات المشينة لفرنسا مع الإرهابيين الحاکمين في إيران.
ماذا جری في يوم 17 حزيران؟
في الساعة السادسة من صباح يوم 17 حزيران من العام الماضي اقتحم 1300 شرطي ودرکي ملثم ومدجج بالسلاح عدة منازل ومقرات إقامة اللاجئين الإيرانيين بما فيها مقر إقامة السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية الواقع في ناحية باريس.
إنهم حطموا في غضون عدة دقائق سياج حديقة المقر ودمروا کل شيء کل في متناول أيديهم وحطموا حتی الأبواب وکبّلوا الجميع رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخًا وشبابًا بکل قسوة. لم يرحموا حتی علی امرأة صامدة کانت قد فقدت إحدی رجليها بفعل التعذيب علی أيدي الجلادين المتطرفين.
وقد طالت ضربات هراواتهم ولکماتهم ورکلاتهم حتی الأمهات الإيرانيات اللاجئات والطاعنات في السن. واعتقل ما مجمله 165 شخصًا من خلال مداهمة 13 منزلاً. وقد تم نقل 22 من المعتقلين بينهم السيدة مريم رجوي إلی سجن في سرداب مقر «د. إس. ت» (جهاز المخابرات الفرنسية).
ما هو ذنبهم؟ فضح النظام الديکتاتوري الإرهابي المتستر بغطاء الدين والحاکم في إيران.
وبعد تفتيش دقيق دام عدة أيام وتم بواسطة أدوات متطورة لم يتم العثور علی أي شيء يتعلق بمجموعة إرهابية، لم يعثروا علی أي شيء يثبت ذلک لا السلاح ولا المتفجرات ولا أي شيء آخر يکون مشبهًا به قضائيًا. کما وفي محاولة لمنع المقاومة الإيرانية من فضح النظام الإيراني صادروا عشرات من الصحون اللاقطة والتلفزيون والفيديو وجهاز الراديو وتلفون وأکثر من 200 حاسوب شخصي قابل للنقل وآلافًا من الوثائق والمستندات الشخصية.
وبعد أسبوع نقلت صحيفة «فيغارو» الفرنسية عن جانب من «تقرير سري لجهاز المخابرات ومکافحة التجسس الفرنسي» اعترافه بأنهم صادروا عدة ملايين من الدولارات علی شکل أوراق نقدية، ولکن «المصادر المالية لهذه المنظمة ليست غير قانونية… وإنما حاجاتهم المالية يتم تسديد جانب منها عبر قيام ممثليات مجاهدي خلق في أوربا وأمريکا الشمالية والشرق الأوسط بجمع التبرعات المالية التي يقدمها أفراد ولاجئون إيرانيون، أما الجانب الآخر فهو من مساعدات ومساهمات أعضاء المنظمة».
ألسنة نيران الحب العاتية
هذه القضية هزت الرأي العام الفرنسي ثم الضمائر الحية في بقية بلدان العالم وتحولت في غضون أسبوعين إلی أول خبر سياسي في العالم. فکتبت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية تقول: «إن باريس تقدمت بهدية دبلوماسية لطهران وهي مراوغة مقيتة لتسليم معارضي النظام الإيراني إلی حکومة أصبحت قوتها مهزوزة مسبقًا علی أيدي أهالي طهران». ماذا يقول أبناء الشعب الإيراني حيال هذا الظلم؟ فأجابت صحيفة فرنسية أخری علی ذلک بقولها: «عدة صرخات أولاً، ثم دخان أسود کثيف يتصاعد بسرعة، ثم يليه ألسنة نار تعم کل مکان. فصباح يوم 18 حزيران وتحت نفق بير حکيم وبمسافة أقدام فقط من مدخل د. إس. ت (جهاز المخابرات الفرنسي) تحرق نفسها امرأة إيرانية بالغة من العمر 38 عامًا وهي تدعی صديقة مجاوري فتحترق حية». إنها کانت امرأة شجاعة أوفت أخيرًا بعهدها الدامي من أجل حرية الشعب الإيراني برغم کل ما کانت تعانيه من الأمراض الجسدية المؤلمة الناجمة عن سنوات کونها نزيلة سجون النظام الإيراني التي کانت قد أبدت فيها أيضًا مقاومة وصمودًا أرهقت الجلادين.
لا يمکن لأحد أن يحتوي هذا الحب المشتعل للحرية. فإن الذين يرون في بلد اللجوء وبلد حقوق الإنسان کل حقوقهم وحقوق شعبهم يتم التعامل والمساومة عليه وخاصة يجدون أنفسهم واللاجئين الآخرين عرضة للتسليم إلی إيران وهم مغلوبون علی أمرهم فلا يجدون خيارًا آخر أمامهم إلا أن يحرقوا أنفسهم عفويًا.
فخلال أقل من 48 ساعة وفي الوقت الذي کان فيه جميع المسؤولين عن المقاومة الإيرانية في فرنسا يعيشون قيد السجن أحرق 9 أشخاص أنفسهم في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا.
فالسلطات الفرنسية اللاتي کانت تری الأوضاع في خارج السجن لا يمکن السيطرة عليها ولم تکن تتوقع هکذا ردود فعل من قبل أبناء الجالية الإيرانية، سرعان ما کشفوا أن الکلام الوحيد الذي يمکن له احتواء ثورة غضب الشعب الإيراني وقلقه وألسنة النار العاتية هو کلام ورسالة مريم رجوي نفسها.
ففي رسالة قصيرة کتبتها بخط يدها وأرسلتها من داخل السجن وتلتها شقيقتها أمام تجمع احتجاجي، قالت السيدة مريم رجوي: «لقد صدمت عند ما سمعت أن بعضکم ذهبتم إلی إحراق أنفسکم. أرجوکم أن توقفوا ذلک. أطلب منکم أن تکفوا عن إحراق أنفسکم، وإلا سوف أتألم وأحزن أکثر فأکثر… واصلوا مظاهراتکم السلمية لتحققوا أهدافکم».
وفي اليوم اللاحق أي في 19 حزيران 2003 أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن موضوع إعادة المعارضين إلی إيران کما کان محمد خاتمي قد طلبه البارحة أمر غير وارد.
وبدورها قالت مريم رجوي في يوم إطلاق سراحها في هذا المجال: «خلال کل هذه الفترة من السجن کنت قد نسيت نفسي وکنت أفعل کل ما کان بوسعي للحد من عمليات إحراق النفس… أولئک الشابات اللواتي لم يعدن حاضرات هنا. ولکني أشعر بأنهن أيضًا حاضرات الآن في صفوفنا. إني لست إطلاقًا راضية عن عملهن هذا، ولکني معجبة کل الإعجاب بإرادتهن الصلبة. إن هذا المستوی من الفداء والتضحية من أجل الحرية والوطن فريد وإني لا زلت أشعر من صميم وجودي بألم مضن، وفي الحقيقة لا يزال قلبي يحترق بألسنة تلک النار التي هي نار خالدة لن تخمد إلا بالحرية الخالدة والثابتة للشعب الإيراني وتضامنهم. لو تمکنت أنا فقط من الاطلاع مبکرًا علی هذه العمليات (عمليات إحراق النفس) لتمکنت من إيقاف هذه التضحيات المفاجئة بقدر ما هي العظيمة في تاريخ حرية وطني!».
ملاحم صامتة
لقد انطلقت حرکة دولية کبيرة في التضامن والاحتجاج ضد اعتقال مريم رجوي.
فمن جميع أقطار أوربا احتشد أکثر من 1500 مواطن إيراني من أنصار المقاومة الإيرانية في ضاحية أوفير سور أوايز الباريسية حيث افترشوا علی الرصيف أمام مقر إقامة السيدة رجوي وباتوا هناک.
هذا وبدأ إضراب عن الطعام في 20 بلدًا في العالم. وفي ضاحية أوفير سور أوايز قام أکثر من 170 شخصًا بإضراب غير محدود عن الطعام. وکتب صحفي فرنسي في هذا المجال يقول: «إنهم مفترشون علی الأرض وشاحبون وتعبون علی امتداد جدار. الرجال في جانب والنساء في جانب آخر. لا توجد هناک إغاثة طبية إلا طبيب متطوع قادم من لندن. وهناک فقط محطة إطفاء مستعدة علی مسافة 10 أمتار للتدخل لمواجهة احتمال حالات إحراق النفس».
حکم الضمائر الحية
انطلقت حملة احتجاجات علی الحکومة الفرنسية من داخل فرنسا وخارجها. فقد استنکر فرانسوا هولاند الأمين العام للحزب الاشتراکي الفرنسي العمليات التي نفذت ضد ناشطي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وطالبت الحکومة الفرنسية بأن توضح أنه «ما هي المعلومات التي دفعت إلی هذه الهجوم؟… ما هو سبب إخبار محطات التلفزيون للتصوير في الساعة السادسة صباحًا؟ هذا ما ينبغي السؤال عنه في ما يتعلق بهذه الفضيحة».
وکتب السيناتور الأمريکي سام براون بک وهو يخاطب المسؤولين الفرنسيين قائلاً: «قد تکسبون وبهذه الأعمال قدرًا من الرضا والارتياح والودّ قصير المدی من قبل طهران، ولکنکم ستفقدون بذلک حتمًا احترامکم في جميع أرجاء العالم».
کما وقد کتبت السيدة شيلا جکسون النائبة في البرلمان الأمريکي: «إني سوف أقدم دموعي بشکل خصوصي لأخواتي اللواتي ضحّوا بحياتهم في هذا الدرب… إني حزنت للغاية من خبر هذا الاعتقال. إني أتعذب من کون الصوت الذي يطلب حرية الشعب العادلة يتعرض للاعتقال. إني وبصفتي امرأة أشعر بالقلق وبوجه خاص في ما يتعلق بالسيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة».
وقالت دانيل ميتران أرملة الرئيس الفرنسي الراحل ورئيس مؤسسة «فرنسا الحرية» عند زيارة التضامن مع المضربين عن الطعام: «إن المأساة اليوم أن السياسة تصنع علی أساس الإشاعات. لو کان هؤلاء الأفراد مزعجين في الحقيقة لکان عليهم أن يثبتوا ذلک. إننا نطالب بالشفافية حول دلائل هذه الاعتقالات».
وقال بير برسي رئيس منظمة حقوق الإنسان الحديثة غير الحکومية: «لم يمکن لأحد قط طيلة أکثر من الـ 20 سنة الماضية التي يتواجد فيها مجاهدو الشعب الإيراني في الأراضي الفرنسية أن يتهمهم بأي عمل ذي طابع العنف خارج إيران حيث يقاتلون ضد نظام ديکتاتوري شرير. ليس مجاهدو خلق إرهابيين وإنما مقاومون أصلاء مثل المقاومين الفرنسيين لأنهم يتابعون هدفًا مماثلاً لهم وهو إسقاط نظام غير شرعي يمارس التعذيب». وقال إيف بونه الرئيس السابق لجهاز المخابرات الفرنسي: «إن الحکومة الفرنسية أرادت تقديم تنازل للنظام الإيراني ويبدو أنها وبهجومها علی ألد أعداء النظام الإيراني المتطرف قد ضمنت حسن النية لتنفيذ الصفقات الاقتصادية».