الموقف الهشّ للنظام الإيراني في توازن القوى في العراق
کاتب:كلمة الموقع
حديث اليوم
في أول زيارة رسمية له إلى الخارج منذ توليه منصبه في مايو/أيار الماضي، وصل رئيس الوزراء العراقي مصطفی الكاظمي إلى طهران، بعد ظهر الثلاثاء 21 يوليو، على رأس وفد حکومي يضم وزراء الخارجية والنفط والکهرباء والمالیة والدفاع والصحة ومستشار الأمن القومي العراقي.
وخلال زیارته التي استغرقت یوماً واحداً، التقى الکاظمي بخامنئي وروحاني وشمخاني وقاليباف وجهانغيري، ثم عاد إلى بغداد في یوم الأربعاء الموافق 22 یولیو.
بوابة النجاة أم أمل زائف؟
یعتبر اللقاء الذي جمع الكاظمي بخامنئي، أول اجتماع علني للأخیر بعد خمسة أشهر من الغیاب بسبب الحجر الصحي، مما یحمل معنی هاماً للغایة.
وقد قال روحاني في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئیس الوزراء العراقي إن «إرادة الحكومتين هي زيادة العلاقات التجارية بين البلدين إلى 20 مليار دولار».
من جانبه، قال الكاظمي في المؤتمر بإن «العراق لن يسمح بأي تهديد لإیران من جانب الأراضي العراقیة. إيران والعراق کلاهما يعانيان من تحديات ومشاكل اقتصادية».
ولكن السؤال هو هل كانت زيارة رئيس الوزراء العراقي لطهران ليوم واحد مفصلیة حقاً؟ وما غایة كل من الطرفين من هذه الزیارة وماذا أنجزا؟
یتمحور القاسم المشترك لتصريحات قادة النظام الإیراني، من خامنئي إلى شمخاني و قاليباف، خلال الزیارة، حول ثلاث قضایا رئیسیة هي: انسحاب الولايات المتحدة من العراق، متابعة نفوق قاسم سليماني، والتعاون الاقتصادي بین البلدین.
في هذا الصدد، فإن القضیتین الأوليتین ليستا ذا قيمة مادية بالنسبة للنظام، إنما یعتبران جزءاً من شعارات النظام الفارغة للحفاظ على مکانته.
أما القضیة الثالثة أي القضیة الاقتصادية والتي تعتبر الآن معضلة رئیسیة بالنسبة للنظام حتی أكثر من أزمة کورونا، هي العنصر المادي الوحيد في هذا الصدد، وبسببها عقد النظام آماله علی العراق -باعتباره بوابة النجاة- للقضاء علی أزمته الاقتصادیة الخانقة. وبالطبع، فإن مدى واقعية هذا الأمل ونسبة تحققه موضعا تسائل وریبة.
تغيير النبرة علامة على التغيير الجذري في توازن القوى
الأمر الأکثر وضوحاً وجلاءً في زیارة الكاظمي إلی طهران، هو تغيير نبرة مسؤولي النظام الإیراني وانحسار موقفهم. تبرز هذه الحقیقة بشكل خاص في الاجتماع الذي جمع خامنئي بالکاظمي.
فقد قال ولي فقيه الملالي مخاطباً الكاظمي بلهجة مختلفة تماماً عن تلك اللهجة الاستعلائیة التي کان یخاطب بها کبار المسؤولین العراقیین -مثلاً جلال الطالباني- في الأعوام السابقة قائلاً: «اتوقع متابعة قرار الحكومة والشعب والبرلمان العراقي بطرد الامريكيين».
کما قال: «إننا نريد أن يحصل العراق على مكانته في المنطقة وأن تكون له علاقات مع الجميع».
وعندما سُئل ربيعي، المتحدث باسم حکومة روحاني، في مؤتمر صحفي (21 يوليو) عن إمكانية توسط الكاظمي في رحلاته القادمة إلى السعودية والولايات المتحدة، قال: «نحن نرحب بأي وساطة».
كل هذا يظهر حاجة النظام الماسة إلی العراق وانحسار موقفه إزاء هذا البلد واختلافه اختلافاً تاماً عما كان عليه في الماضي.
عندما كان النظام يتعامل مع العراق علی أنه جزء من أراضیه الخاصة، وكان الحاكم الحقيقي للعراق هو الحرسي الجلاد قاسم سليماني، الذي لم يسمح للعراق بأن يقيم علاقاته السياسية المعتادة مع الدول العربية الأخرى.
على سبيل المثال، عندما فتحت المملكة العربية السعودية سفارتها في بغداد عام 2014، أجبر النظام الإیراني، من خلال ميليشياته وتهديداته الإرهابية، الحكومة السعودية على استدعاء سفيرها من بغداد حفاظاً علی حياته وإغلاق سفارتها في العراق، لكنها أعادت مؤخراً فتح سفارتها في بغداد.
تصريحات الكاظمي خیبة أمل لنظام ولایة الفقیه
فیما یتعلق بزيارة رئیس الوزراء العراقي إلی طهران، قام جهاز دعاية النظام بنقل تصریحات قادة النظام ولم یعکس من تصریحات الكاظمي سوى المجاملات الدبلوماسية المعتادة.
لذلك، ليس من الممکن علی سبیل المثال معرفة ردّ الكاظمي علی طلب طرد الولایات المتحدة من الأراضي العراقیة والموقف الذي اتخذه إزاء هذه القضیة.
لکن في هذا السیاق، ذکرت وكالة أسوشيتد برس أن «الكاظمي في زیارته إلی طهران قال إن سياسة العراق الخارجية تقوم على” التوازن وتجنب أي محاذاة “. وقال رئيس الوزراء العراقي إن بلاده تسعى إلى تحسين العلاقات مع إيران وفق لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين».
في الحقیقة، تُظهر تصريحات الكاظمي في طهران بوضوح أن النظام فقد موقعه السابق في العراق وانهارت أسس هيمنته على هذا البلد، وذلك لأسباب عديدة:
• استمرار انتفاضة الشعب العراقي ورفضها البات لهیمنة نظام الملالي علی العراق وتدخله في شؤون هذا البلد.
• تغيير سياسة الولايات المتحدة إزاء النظام من موقف انفعالي وتسليم العراق للنظام علی طبق من ذهب، إلى موقف عدواني والحدّ من نفوذ النظام في العراق.
• الإضعاف النوعي للحشدالشعبي وميليشيات النظام بالوکالة بسبب تراجع الدعم المالي المقدم لها من طهران ونفوق قاسم سليماني.
• حاجة العراق الماسة إلى المال لحل مشاكله الاقتصادية الحادة، والتي تدفعه إلی بناء علاقات مع السعودية والابتعاد عن نظام الملالي.
وبالتالي وعلى الرغم من أن تلفزيون النظام وصف زیارة الكاظمي إلی طهران بأنها “مثمرة”، إلا إنها في الحقیقة لم تکن کذلك ولم للنظام بثمرة أو عائد من الناحية العملية لدرجة أن الجهاز الدعائي للنظام لا يمكنه هذه المرة أن یروّج لإنجاز ملحوظ تمّ أثناء الزیارة ما عدا التوقيع الصوري على اتفاقيتین اقتصاديتین أو ثلاثة.
حقائق المشهد السياسي العراقي
هذا ويشير المراقبون والمحللون الدوليون إلى المطالب السياسية للنظام التي عرضها خامنئي، قائلين إن هذه التوقعات ليس لها أي أساس حقيقي، لأنه بغض النظر عن توازن القوى الحالي، فإن الوجود الأمريكي في العراق يعتمد رسمياً وقانونياً على اتفاقية أمنية تم التوقیع علیها مع جورج دبليو بوش فترة نوري المالكي، الذي یعد أحد مرتزقة النظام.
واعترفت الصحف الإیرانیة (22 یولیو) ببعض هذه الحقائق التي تشكل توازن القوى على الساحة العراقية. منها:
صحيفة آرمان الحکومیة التي کتبت: «يعتزم الكاظمي خلق نوع من التوازن بين ثلاث دول هي إيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وهي مهمة صعبة.
النقطة الرئيسية في استراتيجية الكاظمي هي جذب رؤوس الأموال إلى العراق. لكن إعادة الإعمار تتطلب استثمارات سخية لا تستطيع إيران القيام بها باعتبارها أحد الأضلع الثلاثة لمثلث یتکوّن من إيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة».
وأشارت الصحيفة إلى أن النظام لم يتمكن حتى من تلبية مطالبه إلى العراق علی صعید بيع الغاز والكهرباء.بسبب المشاكل الناجمة عن العقوبات.
وكتبت صحيفة جهان صنعت الحکومیة: «تضاءل نفوذ طهران في بغداد بعد اغتيال سليماني، ولم تستطع زيارة علي شمخاني ثم قاآني، قائد فیلق القدس، لبغداد الحفاظ على العلاقات مع بغداد كما كانت في الماضي.
ترى بعض التحلیلات ميل مصطفى الكاظمي الضمني وحتى الصريح إلى واشنطن والرياض على أنه تضاؤل لنفوذ النظام في العلاقات الإقليمية وخاصة في بغداد».
وبهذه الطريقة، سيصبح وضع توازن القوى في العراق أكثر وضوحاً بعد زيارة الكاظمي للولايات المتحدة، والتي من المستبعد أیضاً أن تخدم مصالح النظام الإيراني ومطالبه.