
من هذا المنطلق، منطلق حرص النظام الإيراني على الظهور في مظهر من لا يزال قوياً وقادراً على الإمساك بكل أوراقه، في مقدمها ورقة لبنان، يمكن فهم الكلام الأخير الذي صدر عن النائب ميشال عون، لا يعبر هذا الكلام سوى عن رغبة جامحة لدى طهران في تأكيد الحضور الفاعل في لبنان ورفض التراجع عن المشروع الذي استثمرت إيران من أجل تحقيقه مليارات الدولارات منذ العام 1982 وحتى قبل ذلك.
ليس مستغرباً أن يخرج ميشال عون بما خرج به من كلام، انه كلام طبيعي متى نظرنا في العمق إلى المطلوب إيرانياً من «حزب الله» في هذه المرحلة بالذات. لا يخدم الكلام الصادر عن عون سوى عملية مبرمجة تستهدف تدمير النظام اللبناني عن بكرة أبيه. لابدّ من أخذ هذا الكلام على محمل الجد نظراً إلى أن من يقوله نائب ماروني لديه كتلة كبيرة. صحيح أن هذه الكتلة ذات تركيبة عجيبة غريبة، إذ انها عبارة عن أطراف اصطناعية زرعت
في مخلوق يعاني من كل أنواع العاهات، لكن الصحيح أيضاً أنها كتلة قائمة انبثقت عن انتخابات نيابية.
وقد تبين مع مرور الوقت أن هذه الكتلة أوجدت في
لبنان من أجل بلوغ غايات معينة واضحة تصب في المشروع الإيراني القديم جداً، وذي النفس الطويل في الوقت ذاته.
من لا يزال لديه أدنى وهم في شأن الدور المطلوب من ميشال عون تأديته منذ أعوام عدة، أي منذ ما قبل وصوله إلى قصر بعبدا في العام 1988 بصفة كونه رئيساً لحكومة موقتة مهمتها تسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية وليس عرقلتها، يستطيع العودة عام إلى خلف. قبل عام بالتمام، صيف العام 2008، تولى ميشال عون تغطية جريمة اغتيال الضابط الطيار سامر حنا. ما الذي يمكن توقعه من قائد سابق للجيش يغطي اغتيال ميليشيا مسلحة تعمل على الأرض اللبنانية خلافاً لكل القوانين،
وبما يخرق السيادة الوطنية في كل لحظة، ضابطاً
طياراً لبنانياً لمجرد أنه سمح لنفسه بالتحليق فوق
الأرض اللبنانية؟ عندما يقدم قائد سابق للجيش على……
أبعد من مواقف ميشال عون وتصريحاته واستخفافه بعقول اللبنانيين الذين يمتلكون حداً أدنى من الوعي السياسي، كان للمؤتمر الصحافي الأخير لنائب كسروان بعض الفائدة. تكمن الفائدة في أنه كشف مدى الإصرار الإيراني على الإمساك بالورقة اللبنانية ومدى حرص النظام في طهران على إخفاء نقاط الضعف التي يعاني منها. يبدو هذا النظام الذي يعاني من أزمة داخلية عميقة مأخوذاً بالظهور في مظهر النظام القوي الذي لا يزال يحتفظ بكل أوراقه الإقليمية. ولهذا السبب وليس لغيره، لا يستطيع النظام السوري الذهاب بعيداً في العودة إلى كنف العروبة بدل التلطي خلف الشعارات الطنانة لمتابعة سياسة المتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين وكل ما تقع يده عليه.
يمكن حتى شكر ميشال عون على كشفه النيات الحقيقية لدى بعض الأطراف تجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. كشف قبل كل شيء أن «حزب الله» لا يكن وداً لرئيس الجمهورية الحالي نظراً إلى وقوفه على مسافة واحدة من الجميع. الأهم من ذلك، أنه كشف الرغبة في ضرب مؤسسة رئاسة الجمهورية من أجل إلغاء دور الرئيس، الحكم داخل مؤسسة مجلس الوزراء وبين مؤسسات الدولة اللبنانية. كل ما يريده «حزب الله» هو إلغاء النظام. ما تخفيه أزمة تشكيل الحكومة هو رغبة إيرانية في وضع الحجر الأساس لعملية التغيير الشاملة عبر تعديل الأصول الدستورية التي تشكل بموجبها الحكومات في لبنان وعبر تهميش رئيس الجمهورية في آن.
ميشال عون بيدق في لعبة كبيرة لا يعرف شيئاً عنها، لكنه طرف الخيط في هذه اللعبة التي جعلت وليد جنبلاط، الزعيم الوطني إلى ما قبل فترة قصيرة، يقرأ من أوراق يخرجها من جيبه وكأن عليه الإدلاء باعترافات معينة… تماماً كما حال الإصلاحي الإيراني محمد علي أبطحي الذي كان نائباً نائب لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس محمد خاتمي. أبطحي، الذي يحاكمه النظام، يقرأ من أوراق نصاً كُتب له وكأن مسدساً خفياً موجهاً إلى صدغه. كل ما في الأمر أن شراسة النظام الإيراني زادت في ضوء الضعف الذي يعاني منه. لبنان إحدى «الساحات» التي يعبر فيها عن هذا الفائض في الشراسة لا أكثر ولا أقلّ.
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
في مخلوق يعاني من كل أنواع العاهات، لكن الصحيح أيضاً أنها كتلة قائمة انبثقت عن انتخابات نيابية.
وقد تبين مع مرور الوقت أن هذه الكتلة أوجدت في
لبنان من أجل بلوغ غايات معينة واضحة تصب في المشروع الإيراني القديم جداً، وذي النفس الطويل في الوقت ذاته.
من لا يزال لديه أدنى وهم في شأن الدور المطلوب من ميشال عون تأديته منذ أعوام عدة، أي منذ ما قبل وصوله إلى قصر بعبدا في العام 1988 بصفة كونه رئيساً لحكومة موقتة مهمتها تسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية وليس عرقلتها، يستطيع العودة عام إلى خلف. قبل عام بالتمام، صيف العام 2008، تولى ميشال عون تغطية جريمة اغتيال الضابط الطيار سامر حنا. ما الذي يمكن توقعه من قائد سابق للجيش يغطي اغتيال ميليشيا مسلحة تعمل على الأرض اللبنانية خلافاً لكل القوانين،
وبما يخرق السيادة الوطنية في كل لحظة، ضابطاً
طياراً لبنانياً لمجرد أنه سمح لنفسه بالتحليق فوق
الأرض اللبنانية؟ عندما يقدم قائد سابق للجيش على……
أبعد من مواقف ميشال عون وتصريحاته واستخفافه بعقول اللبنانيين الذين يمتلكون حداً أدنى من الوعي السياسي، كان للمؤتمر الصحافي الأخير لنائب كسروان بعض الفائدة. تكمن الفائدة في أنه كشف مدى الإصرار الإيراني على الإمساك بالورقة اللبنانية ومدى حرص النظام في طهران على إخفاء نقاط الضعف التي يعاني منها. يبدو هذا النظام الذي يعاني من أزمة داخلية عميقة مأخوذاً بالظهور في مظهر النظام القوي الذي لا يزال يحتفظ بكل أوراقه الإقليمية. ولهذا السبب وليس لغيره، لا يستطيع النظام السوري الذهاب بعيداً في العودة إلى كنف العروبة بدل التلطي خلف الشعارات الطنانة لمتابعة سياسة المتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين وكل ما تقع يده عليه.
يمكن حتى شكر ميشال عون على كشفه النيات الحقيقية لدى بعض الأطراف تجاه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. كشف قبل كل شيء أن «حزب الله» لا يكن وداً لرئيس الجمهورية الحالي نظراً إلى وقوفه على مسافة واحدة من الجميع. الأهم من ذلك، أنه كشف الرغبة في ضرب مؤسسة رئاسة الجمهورية من أجل إلغاء دور الرئيس، الحكم داخل مؤسسة مجلس الوزراء وبين مؤسسات الدولة اللبنانية. كل ما يريده «حزب الله» هو إلغاء النظام. ما تخفيه أزمة تشكيل الحكومة هو رغبة إيرانية في وضع الحجر الأساس لعملية التغيير الشاملة عبر تعديل الأصول الدستورية التي تشكل بموجبها الحكومات في لبنان وعبر تهميش رئيس الجمهورية في آن.
ميشال عون بيدق في لعبة كبيرة لا يعرف شيئاً عنها، لكنه طرف الخيط في هذه اللعبة التي جعلت وليد جنبلاط، الزعيم الوطني إلى ما قبل فترة قصيرة، يقرأ من أوراق يخرجها من جيبه وكأن عليه الإدلاء باعترافات معينة… تماماً كما حال الإصلاحي الإيراني محمد علي أبطحي الذي كان نائباً نائب لرئيس الجمهورية في عهد الرئيس محمد خاتمي. أبطحي، الذي يحاكمه النظام، يقرأ من أوراق نصاً كُتب له وكأن مسدساً خفياً موجهاً إلى صدغه. كل ما في الأمر أن شراسة النظام الإيراني زادت في ضوء الضعف الذي يعاني منه. لبنان إحدى «الساحات» التي يعبر فيها عن هذا الفائض في الشراسة لا أكثر ولا أقلّ.
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن