
إيران.. الدروس التاريخية وفرصة خامنئي الضيقة
الدروس التاريخية
إيران في لوحتين متغايرتين
إيران.. الدروس التاريخية وفرصة خامنئي الضيقة -في إيران خبرين مخلتفين يصدمان الإنسان كالبرق وتعيبانه بشكل راسخ من منظورين ومنشأين متعارضين.
وفي أحد الأخبار، نرى دعاية حكومية مخطط لها تثير القرف والتقزز حول إطلاق قمر صناعي عسكري بهدف استعراض قوة خيال مآتة يسمى بـ “قوات حرس نظام الملالي” وتم كشف النقاب عن أزمات نظام الملالي المتلاحقة.
وهناك خبر آخر على عكس الخبر الأول، يخلو من البهرجة الدعائية، ولكنه مثل صاروخ مضاد للدروع يخترق أعماق الروح ويحرق أبعد الشعيرات الدموية في جسم الإنسان: “والنوم تحت الأرض هو أحدث إنجازات نظام الجمهورية الإسلامية التي تشكل صدمة للمجتمع الإيراني”.
وفي خضم تعاقب الأخبار الصاعقة تحت هشتاق كورونا، نجد أن هذين الخبرين يعكسان الواقع في إيران من منظورين مختلفين. حيث نرى في أحدهما وجه نظام الحكم، ونرى في الخبر الآخر ملامح أبناء الوطن التعساء المحتاجين إلى مأوى ولقمة العيش.
ونرى في أحدهما الملالي المتعجرفين ساكني القصور، ينفقون المليارات من جيوب الشعب الإيراني على الممارسات الإرهابية والصناعات العسكرية.
ونرى في الآخر صرخات الحناجر المنهوكة القوى للكادحين الإيرانيين الجياع الذين ارتضوا بالموت بوباء كورونا من شدة العوز.
ونرى في خبر آخر الملالي غير الراضين عن الدخول في الإقطاعية والتلوث والتهام الأراضي ويسعون إلى الاستيلاء على الفضاء، وفي خبر آخر نرى أناسًا ليس لديهم مكان بحجم سرير لإنسان واحد في هضبة إيران الشاسعة، ومضطرين لقضاء الليل.
مثلما كان يفعل أسلافنا سكان الكهوف وربما أكثر منهم تخلفًا، حيث يلجأون إلى النوم أسفل الأرض في هاوية شديدة الرطوبة وباردة ومخيفة.
ضعوا ذلك في الاعتبار لنعود 49 عامًا إلى الخلف في نفق الزمن لنشاهد هاتين اللوحتين والصورة غير المتسقة برمتها في برهة أخرى من تاريخ إيران ونستخلص منها النتائج.
إقامة احتفالات تعود إلى 2500 عامًا من الملكية
في تلك العصور، كانت جماهير الشعب الإيراني في المدن الصغرى محرومة من الكهرباء. وكان لخبر وصول أول فيلم أبيض وأسود بدون صوت يعرض لمدة يوم واحد دوي كبير مثل خبر هبوط أول إنسان على سطح القمر. وفي ظل هذه الظروف، تم الترويج في كل مكان لإقامة احتفالات تعود إلى 2500 عامًا من الملكية، بالنفخ في الأبواق.
وأقيمت هذه الاحتفالات في برسيبوليس في الفترة من 12 إلى 16 أكتوبر من نفس العام. حيث دعا محمد رضا بهلوي 20 ملكًا و 5 ملكات و 21 أميرًا و 16 رئيسًا للجمهورية و 3 رؤساء الحكومة و 4 مساعدين لرؤساء الجمهورية و 69 وزيرًا للخارجية من 69 دولة للمشاركة في هذا الاحتفال ليستعرض قوته وقدرته في باسكارد (عاصمة كوروش الكبير) ويقول: ” نم في سلام يا كوروش، فنحن مستيقظون”.
ويقول عبدالرضا أنصاري، وزير الداخلية في عهد الشاه والمسؤول المباشر عن إقامة الاحتفال أن تكلفة هذه السلسلة من الاحتفالات تبلغ حوالي 200 مليون تومان. وقدر “ويليام شوكراس”، مدير اللجنة الخيرية البريطانية وويلز والكاتب والمحلل البريطاني المولود في عام 1926 تكلفة الاحتفالات والمشاريع العمرانية الخاصة بها بـ 300 مليون دولار.
ويأتي هذا الاحتفال الأسطوري وما ينطوي عليه من تبذير في وقت يعاني فيه أكثر من نصف الشعب الإيراني ولاسيما معظم الأسر القروية الفقيرة وكذلك المدن النائية من عدم توفير الخبز للعيش على الكفاف، وكان بعضهم يعيشون مع الأبقار والأغنام في غرفة واحدة مشتركة؛ وكانت هذه الغرفة في الحقيقة عبارة عن حظيرة للمواشي، وكان الجزء الأكثر دفئًا منها مخصصًا للماشية.
كيلو ونصف من خيوط الذهب لكل زي رسمي
بعد سقوط الشاه سُمي “برج شهياد” بـ “ميدان آزادي” في ذكرى هذا الاحتفال. كما تم استعارة ميثاق كوروش لحقوق الإنسان لعدة أيام من الحكومة البريطانية آنذاك للعرض في إيران.
وفي وصف تفاصيل هذا الاحتفال الباهظ التكلفة الفخم والتجملي للغاية، كتب ويليام شكراس، مؤلف كتاب ” آخرين سفر شاه” (آخر رحلة للملك) :
” أقيم هذا الاحتفال على أرض جافة ومرتفعه من بيرسيبوليس، على شكل معسكر مكون من خيام باهظة الثمن بناها مهندس الديكور الفرنسي ” جونسون”.
وتوجه مصففو الشعر من الطراز الأول من قاعتي “كارينا” و “الكساندر” في باريس إلى برسيبوليس. وأنتجت “إليزابيث أردن” نوعًا من كريم الوجه أطلق عليه اسم “فرح” ليتم تقديمه كهدايا للضيوف في صناديق خاصة.
وصمم “باكارا” كوبًا من الكريتسال، وبنا “سرالين” مسكن الضيوف من فخاريات القرن الخامس قبل الميلاد. وصنع “روبرت هافيلاند” الفناجين وصحونها ليستخدمها الضيوف لمرة واحدة فقط. وصمم “لان ون” زيًا رسميًا جديدًا للموظفين في البلاط الملكي، وتمت حياكة الجاكيت مطعمًا بكيلو ونصف من الذهب بطريقة جميلة وليست قبيحة.
واستغرقت حياكة الزي الرسمي الواحد 500 ساعة من العمل. كما أعد مطعم “ماكسيم” وجبات مأدبة برسيبوليس.
دروس التاريخ
وتعتبر تبرعات خامنئي بالمليارات في سوريا و العراق و لبنان و اليمن، وبناء الترسانات والمدن الصاروخية، وبيع الموارد الوطنية الإيرانية من المواد الخام، والجعجعة في الأتون النووي، وإطلاق الملالي الفاشل للأقمار الصناعية المتعاقبة في معمعة تفشي وباء كورونا في البلاد؛ استمرارًا لإسراف الشاه في الاحتفالات الملكية التي تعود إلى 2500 عامًا.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : ما هو الداعي لإقحام خامنئي في دائرة أجهزة الطرد المركزي ، وتداعيات بناء غواصات نووية، وإطلاق الأقمار الصناعية في مرحلة هجوم فيروس كورونا على البلاد؟
ولا شك في أن هذا الارتباك في موجة الاهتمام العالمي؛ في اليوم المثير للاشمئزاز لقوات حرس نظام الملالي لا يهدف إلا للتغطية على الوضع الهش الذي يعاني منه هذا النظام الفاشي. والجدير بالذكر أن الشاه لم يدم طويلًا بعد أن أطلق على “جزيرة ثبات” عالمه الإمبراطوري. ولن تتاح للملا فرصة لميراثه مثلما أتيح للشاه في الأيام الأخيرة.
قال نيكولاي تشاوشيسكو، الديكتاتور الروماني، ساخرًا من شعبه، إن حكومته ستسقط إذا أثمر شجر التفاح كمثرى بدلًا من التفاح.
وهذ الأمر لن يحدث على الإطلاق، بيد أنه أُعلنت حالة الطوارئ في بلدة “تيمي شوارا” في الساعة الـ 10 صباحًا في 17 ديسمبر عام 1989 عندما كان منهمكًا في وضع باقة الزهور على قبر خميني. وبعد 5 أيام فقط من عودته إلى رومانيا هرب من القصر بطريقة مخزية واتخذ من مستودع مأوى له، وبعد يومين انتهى كل شيء.
والجدير بالذكر أن هذا الدرس المنطوي على العبرة قد تكرر في التاريخ أكثر من مرة.