
تحضيرات في الحرس الثوري لاعتقال النائب الأول لروحاني
محمد المذحجي – لندن ـ «القدس العربي»: قرر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أن تشكل محكمة الثورة الإسلامية (المختصة بالملفات الأمنية والسياسية) لجنة خاصة لا تقبل الاستئناف لمحاكمة المتورطين في ملفات الفساد الاقتصادي «دون رأفة»، ما أثار شكوكا كبيرة لدى الإصلاحيين وأتباع حكومة الرئيس حسن روحاني، في الهدف من ذلك،
لأن المؤسسات التابعة لمكتب خامنئي تمارس ضغطاً كبيراً لمنع الكشف عن تفاصيل ملفات الفساد للمحسوبين على التيار المحافظ والحرس الثوري والمكتب نفسه.
واستحضر قرار خامنئي الأخير تجربة «لجنة الموت» إلى الأذهان التي شكلها مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله خميني، عام 1988 وأعدمت ما لا يقل عن 36 ألفاً من أعضاء منظمة مجاهدي خلق والأحزاب اليسارية حينها.
وفي خطوة تظهر مدى صعوبة المرحلة الحالية، وتعارض الدستور الإيراني الذي ينص على أنه يحق لجميع المحكومين في أي محكمة أن يطالبوا بالاستئناف في جميع المحاكم ضد قرار المحكمة الابتدائية، وافق خامنئي على تشكيل لجنة خاصة من 3 قضاة في محكمة الثورة الإسلامية بهدف محاكمة المتورطين في ملفات الفساد الاقتصادي حيث لا يحق للمحكومين استئناف الأحكام الصادرة بحقهم، إلا في حال صدور حكم الإعدام حيث سيتم الاستئناف وتجديد النظر في حكم الإعدام خلال فترة لا تتجاوز 10 أيام فقط.
وتقدم رئيس السلطة القضائية الإيراني صادق لاريجاني، بمقترح تشكيل هذه اللجنة التي سيكون مقرها في طهران، وستكون الأحكام الصادرة عنها قابلة للتنفيذ رسمياً بحضور قاضيين فقط، وسيرسل النائب الأول لرئيس السلطة القضائية الملفات إلى هذه المحكمة الخاصة. وسيستمر عملها إلى فترة سنتين، أي حتى الأيام الأخيرة لفترة الولاية الأولى لحكم دونالد ترامب والعام الأخير لفترة الولاية الثانية لحكومة حسن روحاني.
وفي السياق، قال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيراني غلام حسين محسني إيجئي، إنه تم إلقاء القبض على 67 من المفسدين الاقتصاديين تحضيراً لمحاكمتهم في اللجنة القضائية الجديدة.
وقبل بضعة أيام من قرار خامنئي هذا، طالبت جريدة «كيهان» التي يرأسها ممثل الولي الفقيه وتابعة لمكتب خامنئي، في عنوانها الرئيسي لصفحتها الأولى، بإعدام المفسدين الاقتصاديين دون رأفة وبسرعة، واعتبرت ذلك الحل الوحيد للقضاء على الفساد في البلاد.
وشككت صحيفة «اعتماد» المقربة من الزعيم الإصلاحي الذي يقبع تحت الإقامة الجبرية في طهران منذ 2010، مهدي كروبي، في توقيت الإعلان عن هذا القرار، وكتبت أن البعض في البلاد يعمل جاداً على عودة فترة الإعدامات المخيفة التي شهدتها إيران خلال السنوات الـ10 بعد انتصار الثورة، وأنه يظن أن إحياء أجواء الرعب واستنساخ تلك التجربة ستنقذ الجمهورية الإسلامية من أزمتها الراهنة.
وتوقعت الصحيفة الإصلاحية بأن هذه المحاكمات إذا تمت، لن تشمل الفاسدين المحسوبين على المحافظين والحرس الثوري ومكتب خامنئي، مشيرةً إلى ملف فساد الرئيس السابق لبلدية طهران والقائد الأسبق للقوات الجوية في الحرس الثوري، اللواء محمد باقر قاليباف، كأحد الأمثلة، لكن جهات من داخل الحرس الثوري ومكتب خامنئي منعت مجلس النواب الإيراني من تقصي الحقائق وكشف حيثيات هذا الملف، فضلاً على أن السلطة القضائية تقاوم وتمنع محاكمة قاليباف.
وأكدت الصحيفة أن تشكيل لجان خاصة من هذا النوع لن يجدي نفعاً للبلاد لأنها ستعمل وفق مصالح ورؤية أحد أجنحة النظام فقط، وأن الحل هو إصلاح القوانين وجدية كبار المسؤولين الإيرانيين في محاكمة الفاسدين دون استثناء وحتى أفراد أسر بعض المسؤولين المتورطين في ملفات الفساد.
ما زاد الشكوك في نوايا السلطة القضائي وخامنئي، هو اعتقال أحمد عراقجي، شقيق كبير المفاوضين النوويين ونائب وزير الخارجية الإيراني، الذي يشغل منصب نائب رئيس البنك المركزي الإيراني لشؤون العملات الأجنبية، وتركيز وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية والصحافة المحسوبة على المحافظين على ملفات الفساد لأتباع حكومة حسن روحاني فقط.
ويعتبر هذا القرار بأنه خطوة أخرى في اتجاه تضييق الخناق على الرئيس الإيراني، وفرض توجهات قادة الحرس الثوري وخامنئي الرافضين للتفاوض مع الولايات المتحدة، وأنهم يراهنون على دعم الصين والاتحاد الأوروبي لتجاوز العقوبات، وأنهم يأملون بألا يفوز دونالد ترامب لولاية ثانية خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة. لكن حسن روحاني يصر على التفاوض مع إدارة ترامب، وأنه يرى الحل لإنهاء الأزمة الراهنة المرشحة للمزيد من التفاقم، في التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، وطالب خلال حديثه الخاص مع القناة الأولى للتلفزيون الرسمي الإيراني الأسبوع الماضي بإجراء استفتاء عام لتحديد كيفية التعامل مع ملف العلاقات مع الولايات المتحدة.
والملفت في الأمر هو أن قرار خامنئي لتشكيل لجنة خاصة لمحاكمة الفاسدين جاء بعد بضعة أيام من مطالبة روحاني بإجراء استفتاء عام، ما دفع العديد من المحللين الإيرانيين وحتى البعض من بين المحافظين إلى أن يعتبروا خطوة خامنئي بأنها رد على روحاني.
وبادر المرشد الأعلى الإيراني على هذه الخطوة بعدما تبين بأن استجواب روحاني في مجلس النواب لن يحظى بدعم ثلثي أعضاء البرلمان للإطاحة بروحاني حالياً.
وعلى صعيد آخر ذي صلة بموضوع تصعيد الخلافات بين المسؤولين الإيرانيين، كشف موقع «آمد نيوز» الإخباري الإيراني أن جهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري بالتعاون مع السلطة القضائية أعد ملفاً قضائياً لإلقاء القبض على النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري الذي يعتبر من المقربين لجناح هاشمي رفسنجاني والإصلاحيين، ومحاكمته بتهمة الفساد الاقتصادي.
وأوضح «آمد نيوز» أن الحرس الثوري يعمل على هذه الخطة لأنه حسب الدستور الإيراني في حال إقالة روحاني، سيتولى النائب الأول للرئيس إدارة البلاد لفترة انتقالية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة.
وأضاف أن مسعود خامنئي، شقيق المرشد الأعلى، بالتعاون مع محمود واعظي المحسوب على المحافظين، وهو يشغل منصب رئيس مكتب روحاني حالياً، يتعاونان لإرغام جهانغيري على تقديم استقالته من منصبه.
وأكد الموقع أن روحاني كان على علم مسبق بهذه الخطة، وأنه استدرك الموقف، وأنه رفض استقالة إسحاق جهانغيري، وأنه أصرّ على بقاء الأخير في منصب النائب الأول.
وقبل بضعة أيام، خلال مقال لافت للغاية يظهر مدى شدة وعمق الانقسام بين المسؤولين الإيرانيين، كتب موقع «الدبلوماسية الإيرانية» المقرب من وزارة الخارجية الإيرانية أن صلاحية حكم الرئيس روحاني قد انتهت، وأن استمرارها سيؤدي إلى سقوط النظام في إيران، مضيفاً أن السياسة التي تبناها روحاني دعمت لوبيات فاسدة عملت على انهيار قيمة العملة الإيرانية.