المستقبل – جهاد الرنتيسي: اقترب لقاء الزعيمة الايرانية المعارضة مريم رجوي ورئيس ائتلاف المعارضة السورية احمد الجربا، من العصب العاري، في حسابات التوازنات الداخلية، ومرتكزات الدور الاقليمي، واعتبارات السياسة الخارجية، الحساسة لصانع القرار الايراني .
تفاصيل ردود الفعل الايرانية، على اللقاء الذي جرى، في العاصمة الفرنسية، تكشف عن حالة ارتباك، اصابت اجنحة الحكم الايراني، المتفقة دوما، رغم تبايناتها، على معاداة منظمة مجاهدي خلق، التي تقودها رجوي .
الخلافات المعلنة، والصراعات على الهامش الذي يتركه لها المرشد الاعلى، ولا تخفى على الشارع الايراني، لم تحل دون اتفاق هذه الاجنحة، على محاولة التقليل، من اهمية اللقاء .
محاولة الاجنحة، التي لم تخل من تجريح للخصمين، ركزت على ابراز العقبات، التي يواجهها المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، وائتلاف المعارضة السورية، في مواجهتيهما مع النظامين الايراني والسوري، وهي ارضية تقليدية، اعتاد النظام الايراني، على الانطلاق منها، منذ سبعينيات القرن الماضي، لاظهار تفوقه، على منظمة مجاهدي خلق التي تقود المجلس .
لكن الخطين المتوازيين، اللذين سار فيهما هجوم الاجنحة، على رجوي والجربا، اظهرا بعض التباين، في اللغة المستخدمة، لا سيما وان لخطاب كل جناح، من هذه الاجنحة، جمهوره .
مساعد وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، وجه من خلال تصريحات، ادلى بها ردا على اللقاء، رسالة للعواصم الغربية، مفادها ان مجاهدي خلق، تنظيم ميت في ايران، غير قادر على احياء نفسه، عبر الملف السوري، والجربا شخصية ضعيفة، لا تستطيع تحديد الاطراف التي تلتقيها، ليصل الى ان لقاء باريس، يحمل في طياته نهاية الجربا، وفشل رجوي في ايجاد فرصة جديدة، لاعادة الحياة الى منظمتها .
والواضح من خلال هذه الرسالة، انها تهدف بالدرجة الاولى، لاحباط المراهنات الغربية المحتملة، على هذا التطور، والتاكيد على عدم امكانية تجاوز اللاعب الايراني، او حتى اضعافه، حين يتعلق الامر، بالبعد الاقليمي للأزمة السورية .
الحرس الثوري، حاول من خلال وسائل الاعلام الخاضعة له، تقديم رؤية متكاملة، للاسباب التي ادت الى لقاء الائتلافين، الابرز في المعارضتين الايرانية والسورية، بعض ملامح هذه الرؤية، ان الخصوم الدوليين لمحور «الممانعة» أخرجوا آخر ما في جعبتهم، بانعقاد اللقاء .
لا يخلو الامر، من سيناريو افتراضي، اورده الحرس لجمهوره، يتمثل في محاولة الغرب، انقاذ مجاهدي خلق من الانهيار، بعد ما تعرضوا له من اعتداءات، في مخيمي اشرف وليبرتي، واقامة قاعدة لهم على الاراضي السورية، بالقرب من الحدود اللبنانية او الاردنية، لاستهداف حزب الله اللبناني .
واللافت للنظر، ان خطاب الحرس الثوري، يراعي الفئات التي يتوجه اليها، مما جعله، اقرب الى اللغة، التي جرت العادة على استخدامها، في مخاطبة جمهور الصحافة الصفراء .
بين خطابي، الخارجية والحرس الثوري، ظهرت تنويعات اخرى، اوغلت في التعبوية، الى حد استباحة المعايير المفترضة، في اللغة التي تتعامل مع الاحداث السياسية، بشكل يحترم عقل المتلقي .
فقد سعت الحملة، الى الايحاء بوجود علاقة، بين مجاهدي خلق والجماعات التكفيرية، دون مراعاة دقة المعايير، التي تتعامل بها منظمة، يتركز جزء من نشاطها في الغرب، واستطاعت انتزاع براءتها، من الارهاب، عبر احكام قضائية، واثر تهرب غربي من تنفيذ هذه الاحكام .
الصفة التمثيلية للجهتين المعارضتين، الايرانية والسورية، كانت في مدارات الحملة، التي شنتها اجنحة الحكم الايرانية، حيث اتهم الخطاب السياسي الرسمي في ايران، مجاهدي خلق وائتلاف المعارضة السورية، بادعاء التمثيل، ليكشف اركان النظام الايراني، عن مفارقة بشقين، يتمثل شقها الاول، في مبررات الحرب الضروس، التي تشنها طهران على مجاهدي خلق، في ايران والعراق والمنافي، والشق الاخر في سعيها، لدى عواصم اقليمية، لجر قوى الائتلاف الذي يترأسه الجربا، الى تسويات مع النظام السوري، فمن غير المعقول ان تبذل جهود حثيثة، في محاربة الاولى، واستمالة الثانية، اذا كانتا دون صفة تمثيلية .
محاولة التندر، على اشارتي رجوي والجربا، الى ترابط القضيتين السورية والايرانية، لم تكن موفقة ايضا، لا سيما وان هاتين الاشارتين، لم تأتيا من فراغ، بقدر ما جاءتا، استنادا الى الدور الايراني في سوريا، وتأكيدات مسؤولين ايرانيين، لدى لقاءاتهم بأنصارهم، على اهمية بقاء النظام السوري، لاستمرار النظام الايراني في الحكم، واشارات السياسيين الرسميين في طهران، الى محورية المعركة التي يخوضونها في سورية .
البعد الطائفي، الذي يحرص صانع القرار الايراني، على تجنب الخوض فيه، لم يكن بعيدا، عن الخطاب الذي استخدمته، اجنحة الحكم الايرانية، في التقليل من اهمية لقاء رجوي ـ الجربا امام الشارع الايراني، حيث اشارت بشكل ضمني، وعلني في بعض الاحيان، الى علاقات كانت تربط مجاهدي خلق بانظمة عربية، تتبع المذهب السني .
حالة الارتباك، التي اصابت الخطاب الرسمي الايراني، بهذا القدر من الهستيريا، لم تكن نبتا شيطانيا، ظهر وتمدد، كردة فعل ذات طابع انفعالي، على لقاء خصمين، بقدر ما يعبر عن شعور بخطر، مبني على منظومة من الاعتبارات، بينها امتداد جذور منظمة مجاهدي خلق، في عمق المشهد السياسي الايراني، لا سيما وانها احد الشركاء الاساسيين، في الثورة التي اطاحت بالشاه، وتمكنت من البقاء، والاحتفاظ بانصارها، وعلاقاتها الخارجية، وبنيتها التنظيمية، رغم الضربات التي تعرضت لها، خلال عقود صراعها مع النظام، ولعبت دورا بارزا، في كشف تفاصيل الملف النووي، التي احرجت النظام الايراني اكثر من مرة، في مفاوضاته مع المجتمع الدولي، كما تخشى طهران، ان يكون لقاء رجوي ـ الجربا بداية للانفتاح الاقليمي وربما الغربي، على بقية اطياف المعارضة الايرانية، وفي جميع الاحوال، يعد اللقاء خطوة محتملة، لنقل كرة اللهب، التي تدحرجها طهران، في مناطق التوتر الاقليمي، الى الداخل الايراني .
() كاتب من الاردن