المستقبل العربي – سعاد عزيز: لامراء من وجود بعض من الذين توسموا و تأملوا خيرا في الاتفاق الذي تم توقيعه بين مجموعة خمسة زائد واحد و بين النظام الايراني، وصدقوا بأن طهران قد استسلمت فعلا للأمر الواقع و ستنفذ بنود الاتفاقية، في الوقت الذي کان هناك أکثرية مشککة في مصداقية النظام من حيث إلتزامه بالاتفاقية و تنفيذها دونما لف و دوران، وعلى الرغم من أن للأکثرية هذا أکثر من سبب و مبرر مقنع، فإن البعض الاخر ليس لديهم أي مبرر او مسوغ سوى إبتسامات روحاني و تصريحاته الفضفاضة و الطنانة بشأن الاتفاقية.
عام 2004، قامت کل من بريطانيا و فرنسا و ألمانيا بتوقيع إتفاق مع النظام الايراني بخصوص برنامجه النووي، لکن سرعان ماتأکد لهذه الدول بأن النظام لايلتزم بتعهداته و لاينفذها، ولذلك ذهب ذلك الاتفاق أدراج الرياح تماما کوعود النظام و عهوده بشأن برنامجه النووي أمام المجتمع الدولي، أما الاتفاق الاخير الذي أبرم في جنيف، فإن حبره لم يجف بعد حتى و طفق النظام الايراني يطلق التصريحات الاستفزازية المبطنة بالکثير من المعاني و المقاصد التي لاتبشر کلها وفي خطها العام بأي خير بشأن مستقبل الاتفاقية.
مساعد وزير الخارجية للنظام الايراني عباس عراقجي الذي شارك ضمن وفد بلاده في مفاوضات جنيف، أطلق تصريحا غريبا من نوعه يبدو من سياقه عزم نظامه التام على مواصلة برنامجه النووي، عراقجي الذي قال:( اننا وافقنا أن لا نوسع برنامجنا من حيث الكم ولكن من حيث النوعية برنامجنا سيمضي قدما في تطويره وأن الهيكلية سيتم الاحتفاظ بها.)، وهو کلام محشو بالتناقض الفاضح و تمويه مکشوف على بنود الاتفاقية لأن سعيه للفصل بين الکم و النوعية في البرنامج انما هو ضحك على الذقون لأن البرنامج کل مترابط و هکذا تم الاتفاق و العمل على اساسه.
عراقجي الذي أدلى بتصريحه هذا في مقابلة له مع وسائل إعلام إيرانية في الاول من کانون الاول/ديسمبر الجاري، سمح لنفسه بنوع من التطاول على وزراء خارجية مجموعة خمسة زائد واحد عندما أضاف في هذه المقابلة:( لا يمكن اعتبار نص الاتفاق بين ايران والدول 5+1 اتفاق قانوني يأتي بتعهدات ملزمة وانما هو يشبه بيانا سياسيا.)، وهذا الکلام في القاموس السياسي يعني الکثير من المعاني غير الطيبة التي لاتبعث على الامل و التفاؤل، خصوصا وان عراقجي يعلن في نفس هذه المقابلة و بکل صراحة ومن دون أدنى مواربة:( ان برنامجنا قد وصل الى نضوجه الكامل ولا تراجع عنه)، والانکى من هذه الصراحة الفجة أن عراقجي يرسل تلميحا خاصا لمجموعة خمسة زائد واحد فيه الکثير من الضبابية و التضليل و القفز على الحقائق عندما يقول في سياق المقابلة:( البرلمان وبعدم مصادقته بامكانه أن يوقف كل شيء وهذا لصالح البلاد. اننا تركنا الأمر للبرلمان الذي يستطيع في نهاية المفاوضات أن ينقضه وهذا امتياز كبير للبلاد.)، في الوقت الذي يعلم العالم کله أن نظام ولاية الفقيه يخضع لسلطة الولي الفقيه الذي سبق له وان أعطى الصلاحية لوفد بلاده لإبرام إتفاقية جنيف، وعندما يتکلم خامنئي فإن الکل يصمت في إيران، فعن أي برلمان يتحدث عراقجي؟ هل يريدنا أن نصدق بأن هذا البرلمان الصوري الهزيل هو کبرلمانات الدول الديمقراطية؟
الغريب أن رئيس منظمة الطاقة الذرية للنظام و المقرب من روحاني قد صرح هو الاخر وفي نفس اليوم أي في الاول من کانون الاول/ديسمبر، تصريحا إستفزازيا فيه تلميح واضح بإستعداد النظام لإنتهاك الاتفاق و الالتفاف على بنوده لما قال: (اذا كان الغرب لا يلتزم بالاتفاق ويواجهنا، فان شعبنا سيخلق ملحمة أعظم من الحرب المفروضة “أي الحرب العراقيه الايرانية في الثمانينات”)، والحق أن هذا الکلام يبعث على الضحك و السخرية ذلك أن الذي لايلتزم و لايريد أن يلتزم بالاتفاق انما هو النظام الايراني نفسه ذلك أن هناك ستة وزراء خارجية في مجموعة خمسة زائد واحد قد وقعوا الاتفاقية ومن ضمنهم وزير خارجية روسيا و وزير خارجية الصين، فهل أن حلفائهم أيضا سيواجهونهم أم أن في الامر ثمة شئ آخر؟
من محاسن الصدف، انني ولدى متابعتي لإجتماع في مجلس الشيوخ البلجيکي عقد يوم الثلاثاء 3 کانون الاول/ديسمبر الجاري ببروکسل، وجدت أفضل تعليق على هذه المواقف”الملتوية”و”المراوغة” للنظام الايراني عندما إستمعت الى خطاب السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من جانب المقاومة الايرانية ألقته في الاجتماع و جاء فيه:( طالما لم يتوقف برنامج تخصيب اليورانيوم في ايران بشكل كامل والملالي لم يخضعوا لقبول البروتكول الاضافي وماداموا لم ينصاعوا لقرارات مجلس الأمن الدولي بشكل كامل فان مفتاح القنبلة تبقى عندهم وأن خطر القنبلة يبقى قائما. انهم شياطين في التضليل والمراوغة وهم ينكثون أي تعهد بفارغ الصبر والبال.. الملالي يعتمدون على عاملين في هذا المجال: سياسة التضليل التي ينتهجونها وسياسة الغرب الهزيلة خاصة أمريكا. وهذا ما يمنحهم الفرصة بالتلاعب بقضية القنبلة النووية.)، ولاأحب أن أعلق کثيرا على کلام السيدة رجوي ففيه أفضل رد على مواقف مسؤولي النظام الايراني، سوى انني أريد أن أؤکد کلام سيدة المقاومة الايرانية عن قادة و مسؤولي النظام الايراني؛ انهم فعلا شياطين في التضليل و المراوغة!