
ومع نزيف الدم العراقي، تواصل حكومة المالكي تنفيذ المخطط الإيراني في تقتيل لاجئي أشرف وليبرتي على دفعات، في عمليات إعدام وخطف وضرب بالصواريخ. ومن مآسي هذه الجرائم، التي تهين الإنسانية ورسالة الإمام الحسين ما حدث لعائلة اللاجئ الإيراني الشاب في ليبرتي، حنيف كرمابي، الذي أعدموا أباه وهو على فراش المرض في أشرف، وخطفوا أمه المسنة هناك، وهي أمام جثة زوجها، مع خمس لاجئات أخريات نقلن مع زميل لهن لسجن التعذيب في المنطقة الخضراء على أمتار من مكتب المالكي.
الحكومة، باسم مكافحة القاعدة، ترسل وزير الخارجية لأميركا طالبة طائرات مقاتلة كطائرات أباشي، مع أن سيادة الوزير الكردستاني يجب أن يعرف جيدا بأن هذه الطائرات قد تقصف يوما قرى ومدن وجبال كردستان. والأسلحة الروسية قادمة على دفعات، وقد وصلت الدفعة الأولى من المروحيات القتالية. والسؤال: هل تستخدم في محاربة إرهاب المدن طائرات ومروحيات مقاتلة؟!!، أم إنها لغايات أخرى: مابين استهداف أهداف أخرى مستقبلا، أو لمساعدة نظام الأسد؟ والاتفاقات الدفاعية المبرمة للتو بين إيران وحكومة المالكي تجيب على كثير من هذه الأسئلة. وقد عتّموا على ما قاله علنا وزير الدفاع السابق في23 آب 2009 عن تفجيرات الأربعاء الدامي: ” إن الأسلحة المستخدمة في التفجيرات إيرانية الصنع” و”إن هناك أسلحة تدخل للإرهاربيين من دول مجاورة، وتحديدا من إيران.”
لقد طلع على الشعب والعالم قبل حوالي الأسبوع فريق من الساسة الأكثر ضلوعا في مشاكل العراق بما سموه بوثيقة “السلم الأهلي” و”ميثاق الشرف”. وليس ثمة من يجهل أنه جرى قبل ذلك التوقيع على اتفاقات مماثلة، سرعان ما خرج عليها وانتهكها بعض الموقعين، وبالأخص رئيس مجلس الوزراء، الذي خرج أيضا على تعهداته العلنية بحماية اللاجئين الإيرانيين. وها هو نفسه، وبعد ثلاثة أيام لا غير من هذا الميثاق الشرفي، يهدد علنا المتظاهرين والمعتصمين من السنة بأن بينه وبينهم ” بحرا من الدم”. فيا للسلم الأهلي! ويا للوحدة الوطنية! ويظهر أن هناك هوسا ببحار الدم وصولاته وغزواته. وحين تثار الاحتجاجات على مطاردة عشائر السعدون، ينبري للتطمين بأنه سيشكل لجنة تحقيق، مع أن زبانية المليشيات الموالية له هي من تنفذ تلك الجرائم الطائفية المروعة، التي تستهدف تحويل جنوب العراق والوسط وبغداد لولاية طائفية تصبح ملحقا بإيران. والمناورة نفسها، أي ” سنحقق”، إزاء الضجة الدولية على مجزرة أشرف الجديدة: أي إنه سوف يحقق مع أن قواته هي من نفذت الأمر الصادر من سليماني وبعلم المالكي. فأي تحقيق نزيه يمكن أن يقوم به الطرف المتهم هو بالجريمة!!
الموقعون على ميثاق الشرف يكن الواحد منهم للآخر غير ما يبطن، وليس بينهم من انتفض لتهجير ومقاتل آل السعدون وساكني معسكر أشرف العزل. ومنهم من ذهب لإيران لمصافحة سليماني. والجميع مشاركون في مشروع الفساد العام، سوى أن تجمعهم كان مناورة انتخابية ومحاولة لامتصاص السخط الشعبي المتراكم على المجازر اليومية وانهيار الخدمات وانتشار الفساد وتوسع دائرة الفقر والبطالة. وكما يقول الصديق الدكتور كاظم حبيب:
” ليس في هذه الوثيقة أي جانب ايجابي، فهي تريد كسب الوقت إلى حين الانتخابات، وسوف تساهم بتصعيد الصراع الطائفي، وصولا إلى المزيد من الاصطفاف والاستقطاب الطائفيين ليساعدا على وصول الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية نفسها، التي مزقت وحدة الشعب العراقي، إلى مجلس النواب ثانية، واستمرار الحكم بأيديهم، وبدء عملية المخادعة والنهب والسلب لأموال الشعب ثانية، وثالثة، ورابعة، ما دام نوري المالكي قد قالها: [ أخذناها، بعد ما ننطيها] …”.
لقد أعيد إنتاج ممارسات النظام السابق، مطعمة بالمبتكرات القمعية الإيرانية:من تعذيب و اغتيالات وعمليات اغتصاب في السجون والمعتقلات. وأضيفت الحملات ” الإيمانية” الظلامية المتلاحقة على نوادي الأدباء والفانين. وتم الإعلان رسميا أن أعداء الشعب والإسلام هي العلمانية والحداثية والماركسية. واستخدم العراق لنحر الشعب السوري، وبيع لقمة سائغة للملالي والجنرال سليماني. فعن أن سلم أهلي يثرثرون! وأي شرف لوثيقة يلفظها حالا أول من يوقع عليها، مهددا ببحار الدم!