
أمام هذا الحدث المرعب، لابد لنا جميعا من طرح السؤال التالي: هل صارت القاعدة في العراق أكثر وأكبر حتى من دولة في دولة؟ وهل القضية، كما يقول المالكي، تواطؤها مع السجانين،[ وهم من المليشيا كما يصفهم هو]، إن كان الاتهام صحيحا؟ ولو كانوا من المليشيا الشيعية، فمن عينهم وخصهم بحراسة أخطر السجون؟
فلنعد للوراء بضع سنوات. لنعد لعام 2009 والهجوم الخطير على وزارتين هامتين في بغداد، واتهام المالكي للبعث العراقي، ومن ورائه سورية. في حينه قال وزير الدفاع السابق إن الأسلحة المستخدمة جاءت من إيران، وهو ما جرى تجاهله في التصريحات والدعايات الرسمية فيما بعد. ومع ذلك، فإن دور سورية يجب أن يعني بالضرورة، وفي الوقت نفسه، دور الطرف الإيراني، حليف سورية. ومؤخرا، حدثت ضجة حول تصريحات الجنرال كيسي في باريس، والتي تتهم إيران بكونها شريكة في تفجيرات سامراء التي أشعلت الحرب الطائفية ما بين 2006- 2008 . ورد المالكي بسخرية وطالب الإدارة الأميركية بضبط ومراقبة تصريحات الشخصيات الأميركية الرسمية. ولكن آخرين قالوا إن كيسي لم يدل بتلك التصريحات، والسؤال: ولماذا سارع المالكي للرد لو كان يشك في صدور تلك التصريحات؟ ثم لماذا لم يكذّب كيسي ما نسب إليه لو كان في الأمر تزوير ما؟ وهذه أسئلة طرحناها في مقالات سابقة، وفي مجالات أخرى، وكان رد البعض شتائم وانفعالية من يعرفون أن وليهم المرشد قد اكتشف متلبسا بالجريمة.
إنه يجب أن نكرر ونكرر المعلومات الوثيقة عن التعاون، وخلال سنوات، بين القاعدة ونظام الفقيه كلما كان ذلك لمصلحة الطرفين، ورغم اختلاف أهداف كل منهما. ومصلحة الطرفين اليوم هي في إعادة إشعال الحرب الطائفية في العراق مع محاولة إشعالها على صعيد المنطقة كلها. وبالنسبة للعراق، لهدف إلهاء شعبنا عن مشاكله وعن استبداد حكامه المنصاعين لإيران، ولتبرير التدخل في سورية بجانب الأسد تحت راية السيدة زينب. وإن اندلاع حرب مذهبية في المنطقة يخدم أطرافا عدة في المنطقة، منها، عدا إيران، نظام الأسد وحزب الله والقاعدة والسلفيون التكفيريون وكل حاكم مستبد. والملاحظ، أنه حتى أردوغان راح يساهم بمواقفه في هذه اللعبة الجهنمية بسماحه “للجهاديين” الإرهابيين بالالتحاق بجبهة النصرة في سورية، وذلك بدافع هوس العداء للأكراد السوريين، والشحن ضدهم. وقد صارت جبهة النصرة اليوم تعلن عن استباحة دم كل كردي وأعراض زوجته وبناته.
والآن، فهل من المستبعد، بعد هذا وذاك، أن يكون لإيران، من خلال المليشيات التابعة لها في العراق، وعملائها في أجهزة السلطة، وعناصر فيلق القدس المتواجدين والنشطين في العراق، ضلع في عملية الهروب الجماعي المروع والمخيف؟ سؤال يطرح نفسه لأننا لا نكاد نصدق أن للقاعدة في العراق كل هذه الإمكانات الضخمة لكي تنفذ لوحدها عملية كبرى وبهذا الحجم.
ومهما يكن، فالمسؤولية الأولى تقع على حكومة المالكي، وعلى شخصه بالذات لكونه يمسك بالوزارات والمناصب العسكرية والأمنية، فضلا عن المليشيات التي جعلها تحت إمرته باسم الاندماج في “العملية السياسية”. ولو حدث في أية دولة يحترم حكامها أنفسهم وشعبهم شيء قليل جدا مما حدث ويحدث في العراق، من فساد، وتدهور في الخدمات، وبالأخص من الدم العراقي المنهمر على الدوام، لسارع الحاكم الأول إلى تقديم استقالته، ولكان أول المطالبين بحكومة إنقاذ وطني من أصحاب الكفاءات الوطنية غير الحزبية، والعابرة للفئوية والطائفية. وهذه مجرد أمنية نعرف أن تحقيقها اليوم مستبعد مع الأسف. فبانتظار العراق كوارث قادمة ما دام نظام المحاصصة باقيا، والهيمنة الإيرانية تزداد صلافة وقوة، ومادام السيد المالكي يتشبث بالسلطة مهما كلف الأمر. وعسى أن يتغلب الشعب المصري على أعداء مسيرته الثورية الشرسين، الذين يمارسون العنف والإرهاب والغش، وأن ينجح هذا الشعب الأبي في بناء نظامه المدني العلماني المنشود، ليكون في هذا النجاح حافز كبير وطاقة دفع وتحفيز لقوى شعبنا، ولاسيما لشبابه.