موقع المجلس:
تجلّت حالة الارتباك داخل مؤسسات النظام الإيراني بشكل واضح عقب الاتفاق المبرم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة، حيث صدرت مواقف متناقضة من كبار المسؤولين في طهران، ما يعكس حجم الأزمة العميقة التي تواجه صناع القرار تحت الضغوط الدولية. ففي الوقت الذي سعى فيه عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية، إلى تمرير الاتفاق كخطوة مدروسة، خرج علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، بهجوم حاد على الوكالة ومديرها العام.
عراقجي: اتفاق مفرغ من المضمون
في مقابلة تلفزيونية بتاريخ 11 سبتمبر، قلّل عراقجي من أهمية الاتفاق مؤكداً أنه لم يمنح الوكالة أي صلاحيات جديدة للتفتيش، بل لم يتحدد حتى موعد لذلك. وأوضح أن ما جرى لا يتجاوز “إطاراً جديداً للتعاون” تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي ووفق تشريعات البرلمان. وعندما واجهته أسئلة حول تلبية الاتفاق لشروط أوروبية لتجنب تفعيل “آلية الزناد”، التزم بالمراوغة قائلاً إن لا تغيير طرأ على ملف التعاون أو المواد النووية، قبل أن يضيف: “غروسي سيقول إن التفتيش وارد، لكنه مشروط بمراحل تأخذ في الحسبان هواجس إيران الأمنية”.
هكذا حاول عراقجي إرسال رسالتين متناقضتين: طمأنة الخارج الأوروبي بأن هناك تقدماً، وإرضاء الداخل المتشدد بأن السيادة لم تُمس.
لاريجاني: نسف للاتفاق وتصعيد كلامي
في اليوم التالي مباشرة، تبنّى لاريجاني موقفاً مناقضاً تماماً، موجهاً هجوماً لاذعاً ضد الوكالة الدولية، رغم أنه يترأس الجهة التي يفترض أنها تشرف على الاتفاق. وصف الوكالة بأنها “في أسوأ حالاتها”، واتهم مديرها رافائيل غروسي بأنه “أشعل فتيل الحرب” وقدم “هدايا مجانية للعدو وأمريكا”. وانتقد صمت الوكالة إزاء الهجمات التي طالت مواقع نووية إيرانية، واعتبر ذلك “فضيحة” و”خيانة”، مشككاً في أهلية غروسي لقيادة الوكالة.
النتيجة: نظام مأزوم ومصداقية مفقودة
هذا التناقض بين دبلوماسي يروّج للاتفاق ومسؤول أمني يهاجمه، يكشف عدداً من الحقائق الجوهرية:
صراع داخلي محتدم: يتجلى الانقسام بين تيار دبلوماسي يسعى لكسب الوقت تحت ضغط العقوبات، وتيار أمني متشدد يرفض أي تنازل.
اهتزاز المصداقية: يصعب على المجتمع الدولي الوثوق باتفاق توقعه طهران فيما أحد أبرز مسؤوليها الأمنيين يصف الطرف المقابل بالعدو.
ارتباك استراتيجي: إنكار عراقجي لمضمون الاتفاق يقابله تصعيد لاريجاني، في مشهد يعكس ضيق الخيارات أمام النظام الذي يحاول التوفيق بين تجنب العقوبات والانهيار الداخلي.
في الخلاصة، لم ينجح اتفاق القاهرة في تخفيف الضغوط، بل على العكس، كشف عمق الانقسامات وأظهر هشاشة الخطاب الرسمي، ليؤكد أن النظام الإيراني يفتقر إلى رواية موحدة يمكن تسويقها داخلياً أو خارجياً.








